لا تزال أقوى الحكومات الأوربية، وأحسنها تنظيماً، وخيرها إدارة، وأنماها موارد. وكان من سوء حظ الكنيسة، في هذا الوقت العصيب الذي أوشك أن يختم به قرن من القوة والتقدم، أن جلس على أقوى العروش في العالم المسيحي رجل كان له من فساد الخلق، والغطرسة الشخصية والحرص على السلطان حرصاُ خالياً من الكياسة، بقدر ما كان له من حب الكنيسة، وإخلاص في المقصد. ولم يكن هذا الرجل خلوا من الفضائل الفاتنة: فقد كان محباً للعلوم، يضارع إنوسنت الثالث في تجاربه القانونية، وثقافته الواسعة، أنشأ جامعة روما، وأعاد مكتبة الفاتيكان ووسع نطاقها، وعين جيتو Giotto وأرنلفودي كمبيو Arnolfo di Cambio في مناصب عالية، وساعد بما له على إنشاء واجهة كنيسة أرفيتو Orviieto الرائعة المدهشة.
وكان قد مهد السبيل لتسلمه عرش البابوية بأن أقنع سلسلتين الخامس Celestine الورع العاجز أن ينزل عن العرش بعد أن جلس عليه خمسة أشهر - وكان هذا عملاً لم يسبق له مثيل من قبل. وأحاط بنيفاس من بادئ الأمر بالبغض منذ البداية. وأراد أن يحبط كل ماعساه أن يدبر من خطط لإعادة سلستين، فأمر بأن يحتجز هذا الشيخ البالغ من السن ثمانين عاماً في روما، ولما فر سلستين، قبض عليه، ثم فر مرة ثانية، وقضى عدة أسابيع يجول في أنحاء أبوليا، حتى وصل إلى البحر الأدرياوي، وحاول أن يعبره إلى دمياط، ولمن القارب الذي كان يركبه تحطم به، وقذفه البحر إلى إيطاليا وجيء به أمام بنيفاس، وحكم عليه البابا بالسجن في حجرة ضيقة في فرنتينو Frintinoe، ومات بها بعد عشرة شهور من بداية سجنه (١٢٩٦)(٩٥).
وكان مما زاد طبع البابا الجديد حدة أصيب بسلسلة متتابعة الحلقات من الهزائم الدبلوماسية والانتصارات الكثيرة الأكلاف. فقد حاول أن يثني فردريك صاحب أرغونة عن قبول عرش صقلية، ولما أصر فردريك على قبوله