بعضهم بعضاً، كما كان القانون الجنائي قاسياً قسوة وحشية، ولكنه عجز مع ذلك عن قمع الوحشية والجريمة. فكثيراً ما كان التعذيب بالعذراء، وبجفنة الزيت الملتهب، وبعمود الإحراق، وحرق الأحياء، وسلخ جلودهم، وتمزيق أطرافهم بشدها إلى الحيوانات، كثيراً ما كانت هذه الوسائل الوحشية تستخدم في العقاب. وكان للقانون الأنجليسكوسوني يعاقب الجارية السارقة بإرغام ثمانين جارية على أن تؤدى كل واحدة منهن غرامة، وأن تأتي بثلاث حزم من الوقود وأن تحرق السارقة حية (٧٥). ويقول سلمبيني Salimbene الراهب الإيطالي في تاريخه الإخباري، وكان معاصراً للحروب التي شبت نارها في إيطاليا الوسطى في القرن الثالث عشر، إن المسجونين كانوا يعاملون بوحشية لو أننا سمعنا بها في شبابنا لما صدقناها:
فقد كانوا يربطون رؤوس بعض الرجال بحبل ومخلة، ويشدون الحبل بقوة تخرج عيونهم من أوقابها، وتسقطها على خدودهم، ومنهم من كانوا يربطونهم بإبهام يدهم اليمنى أو اليسرى وحدها، تحمل ثقلهم كله بعد أن يرفعوا عن الأرض، ومنهم من كانوا يعذبون بصنوف من العذاب أشنع من هذه وأشد منها رهبة أخجل من ذكرها، وآخرون … كانوا يجلسون وأيديهم مشدودة خلف ظهورهم، ويضعون تحت أقدامهم أوعية مملوءة بالفحم الملتهب … أو يربطون أيديهم بأرجلهم حول حفرة (كما يربط الحمل وهو ينقل إلى القصاب) ويبقونهم معلقين على هذا النحو طول النهار من غير طعام ولا شراب، أو كانوا يحكون قصبات أرجلهم بقطعة خشنة من الخشب حتى يظهر عظم الساق عارياً من اللحم؛ وهو عمل تكفي رؤيته وحدها لأن تبعث الأسى والألم في النفوس (٧٦).
وكان رجل العصور الوسطى يتحمل الألم بشجاعة، ولعله كان أقل إحساساً به مما يبدو على رجال أوربا الغربية في هذه الأيام. وكان الرجال والنساء من جميع الطبقات شهوانيين إلى حد بعيد، وكانت أعيادهم ولائم شراب، وميسر،