للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشاذة رغم كثرة عددها، وليس من حقنا أن نستخلص منها نتيجة أكثر من أن الناس في عصر الإيمان لم يكونوا خيراً منهم في عصرنا هذا عصر الشك، ومن أن القانون والأخلاق قلما أفلحا في الاحتفاظ بالنظام العام ضد ما ركب من نزعة فردية في طبيعة الناس الذين لم يقصد بهم بفطرتهم أن يكونوا مواطنين، خاضعين للقانون.

وكانت معظم الدول تعاقب على جريمة السرقة الخطيرة بالإعدام، كما كانت الكنيسة تحكم على مرتكبي السطو بالحرمان من الدين، ومع هذا فإن السرقة بأنواعها - من النشل في الطرق إلى الأشراف النهابين على ضفاف الرين - كانت من الجرائم الواسعة الانتشار. وكان مرتزقة الجنود الجياع، والمجرمون الفارون والفرسان المفلسون، يجعلون الطرق غير آمنة، وكانت شوارع المدن تشهد في ظلام الليل كثيراً من الشجار، والسرقة، والاغتصاب، والاغتيال (٧٢). وتدل سجلات أسباب الوفاة في "إنجلترا الطروب" في القرن الثالث عشر على "نسبة في الاغتيال إذا حدثت في هذه الأيام عدت من الفضائح" (٧٣). ويكاد الاغتيال يبلغ ضعفي عدد حالات الموت بسبب الحوادث المفاجئة، وقلما كان يقبض على المجرمين. وكانت الكنيسة تجاهد وهي صابرة للقضاء على حروب الإقطاع، ولكن ما نالته من نصر متواضع في هذه الناحية كان سببه أنها حولت الناس وخصامهم إلى الحروب الصليبية، التي كانت من إحدى النواحي حروباً استعمارية تبغي الفتح والمكاسب التجارية، فلما اشتبك المسيحيون في الحرب لم يكونوا أكثر رضا بالهزائم أو أكثر وفاء بالعهود والمعاهدات من المحاربين المنتمين إلى الأديان والعهود الأخرى.

ويبدو أن القسوة والوحشية كانتا في العصور الوسطى أكثر منهما في أية حضارة قبل حضارتنا نحن. ذلك أن المتبربرين لم يتخلوا عن بربريتهم بمجرد أن صاروا مسيحيين. وكان رجال الأشراف ونساؤهم يصفعون خدمهم ويصفع