للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو الوحشية الجماعية السافرة التي نشاهدها في هذه الأيام.

على أن هذه الرذائل وغيرها تقابلها كثير من الفضائل. فلقد كافحت المسيحية ببسالة وإصرار سيل الهمجية القوي الجارف، وبذلت جهوداً جبارة لتقليل الحروب والمنازعات، والالتجاء إلى القتال والتحكيم الإلهي في المحاكمات، وأطالت فترات الهدنة والسلام، وسمت بعض السمو بعنف الإقطاع ومنازعاته فجعلتهما وفاءاً وفروسية، وقاومت القتال في المجادلات، ومنعت استرقاق المسجونين، وحرمت اتخاذ المسيحيين عبيداً، وافتدت عدداً لا حصر لهم من الأسرى، وعملت على تحرير أرقاء الأرض أكثر مما عملت على استخدامهم في أراضيها، وغرست في النفوس احتراما جديداً للحياة والأعمال البشرية، وحرمت وأد الأطفال، وقللت من الإجهاض، وخففت أنواع العقاب التي كان يفرضها القانون الروماني، قانون القبائل المتبربرة، ولم تقبل مطلقاً أن يكون مستوى الأخلاق عند النساء مختلفاً عنه عند الرجال، ووسعت مجال الصدقات وأعمالها، ووهبت الناس طمأنينة عقلية وسط ألغاز العالم المحيرة للعقول، وإن كانت بعملها هذا قد ثبطت البحوث العلمية والفلسفية. وآخر ما نذكره لها أنها علمت الناس أن الوطنية إذا لم يقاومها ولاء أسمى منها تصبح أداة للشره والنهم الجماعيين. وقد فرضت على جميع المدن والدول الصغرى الأوربية المتنافسة قانوناً أخلاقياً واحداً، وحافظت عليه، واستطاعت أوربا بهديها، وبشيء من التضحية التي لابد منها ببعض حريتها، أن تستمتع مدى قرن من الزمان بالمبادئ الأخلاقية الدولية التي نتمناها ونكافح من أجلها في هذه الأيام - نعني بها أن يكون لها قانون يخرج الدول من قانون الغابة، ويوفر على الناس جهودهم لينفقوها في معارك السلام وانتصاراته.