للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأثنت عليه أو عذبته، واستخدمته، ودفنته، ونسيت اسمه أكثر مما ذكرته.

وكانت العصور الوسطى تقاوم الفردية، وتعدها من العقوق المفلس، وتأمر العبقري أن يغمر نفسه في أعمال زمانه ومجرى حوادثه. وكانت الكنيسة، الدولة، والمدينة المستقلة، ونقابة الحرف في عرف ذلك الوقت هي الحقائق الخالدة، وكانت هي الفنانين أنفسهم، ولم يكن الأفراد إلا أيدي الجماعة، وإذا ما قامت الكنيسة الكبرى على قواعدها كان جسمها وروحها يمثلان جميع ما قدسه واستنفده تصميمها، وبناؤها، وتزيينها من أجسام وأرواح. ومن اجل هذا ابتلع التاريخ جميع أسماء الرجال الذين نقشوا جدران عمائر العصور الوسطى قبل الثالث عشر، ولم يبق من هذه الأسماء إلا القليل، وكادت الحروب، والثورات، والرطوبة التي توالت مدى الدهور تبتلع أعمالهم. ترى هل كان في أساليب ناقشي الجدران عيوب. لقد كانوا يستخدمون أساليب المظلمات وأدهنة الجدران القديمة، فيضعون الألوان على الجدران قبل أن يجف بياضها، أو يرسمون على الجدران الجافة بألوان يجعلونها لزجة بما يدخلونه فيها من المواد الغروية. وكانوا يقصدون بكلتا الوسيلتين أن يخلدوا ما يرسمون، أما بنفاذ الألوان في الجدران أو بتماسكها، ومع هذا كله كانت الألوان تتطاير على مر السنين، ولذلك لم يبق من الرسوم الجدارية التي عملت في القرن الرابع عشر (١) ويصف ثيوفليس (١١٩٠) طريقة تحضير الألوان الزيتية، ولكن هذه الصناعة لم تبلغ كثيراً من الرقى قبل عهد النهضة.

ويلوح أن تقاليد النقش الروماني القديم على الجدران قد قضت عليه غارات القبائل المتبربرة وما أعقبها من فقر دائم عدة قرون. ولما أن بعث فن النقش الجداري الإيطالي، لم يسترشد باعثوه بالتقاليد القديمة، بل استرشدوا بأساليب


(١) لهذا يدهش الإنسان من براعة المصريين الأقدمين لأنه يرى الألوان على بعض آثارهم وكأنها قد خرجت تواً من تحت أيديهم. (المترجم)