بيزنطية النصف يونانية والنصف شرقية، وإنا لنجد في أوائل القرن الثالث عشر مصورين يونان يعملون في إيطاليا - ثيوفانيس في البندقية، أبونيوس في فلورنس وملورمس Melormus في سيينا … وتحمل أقدم لوحات الفن الإيطالي الموقع عليها من راسميها في ذلك العهد أسماء يونانية، وقد جاء هؤلاء الرجال معهم بموضوعات وأنماط بيزنطية - بصور رمزية، دينية - صوفية، وهم لا يدعون قط أنهم يمثلون مواقف أو مناظر طبيعية.
ولما زاد الثراء وارتقى الذوق تدريجياً في إيطاليا خلال القرن الثالث عشر، واجتذبت الهبات العالية التي كان يعطاها الفنانون رجالاً من ذوي المواهب العالية، شرع المصورون الإيطاليون -جيونتا بيزانو Giunta Pisano في بيزا، ولابو Lapo في بستويا، وجيدو Guido في سينا، وبيترو كفليني Pietro Kavallini في أسيسي وروما، شرع هؤلاء المصورين يهجرون الطريقة البيزنطية الخيالية الحالمة، وينفثون في رسومهم اللون الإيطالي والعاطفة الإيطالية. ولهذا نقش جيدو (١٢٧١) في كنيسة سان دمنيكو في سينا صورة للعذراء بزت بصورة "وجهها الصافي الحلو"(١٤) أشكال الرسوم البيزنطية الضعيفة التي لا حياة فيها، والتي كانت سائدة في ذلك العصر وتكاد هذه الصورة تكون بداية عصر النهضة الإيطالية.
وبعد جيل من ذلك الوقت دفع دتشيو بيوننسنيا Duccio di Bouninsegna (١٢٧٣ - ١٣١٩) مدينة سيينا في صورة جمالية مزينة بصورة "الجلالة" Maesta التي تمثل العذراء فوق عرشها. وتفصيل ذلك أن المواطنين ذوي الثراء قرروا أن الأم المقدسة، ملكتهم الإقطاعية، يجب أن ترسم صورتها في حجم رائع بيد أعظم فنان يعثرون عليه في أي مكان، وسرهم أن يختاروا لهذا دتشيو ابن بلدتهم، ووعدوه بأن يقدموا له الذهب، ووفروا له الطعام والوقت، راقبوا كل خطوة يخطوها في عمله. ولما أتم بعد ثلاث سنين