من أشد الناس تحمسا له:"وأنا أقول عنه أنه من أعظم ما خط بالقلم … فهو كتاب نبيل؛ وهو كتاب الناس أجمعين! وهو أول وأقدم شرح لتلك المشكلة التي لا آخر لها- مشكلة مصير الإنسان وتصرف الله معه على ظهر هذه الأرض … واعتقادي أن لا شيء في التوراة أو في غير التورات يضارعه في قيمته الأدبية"(٢٣٠ أ) وقد قامت هذه المشكلة بسبب اهتمام العبرانيين بأمور هذه الدنيا. ذلك أنه لما كانت الجنة لا وجود لها في الديانة اليهودية القديمة (٢٣١) فقد كان من الواجب المحتم أن تنال الفضيلة ثوابها في هذا العالم، وإلا لم يكن لها ثواب على الإطلاق. ولكنهم كثيراً ما كان يبدو لهم أن الأشرار ينجحون ويفوزون، وأن أشد الآلام قد اختص بها خيار الناس، فَلِمَ إذن كما يقول كاتب المزامير:"هؤلاء هم الأشرار يكثرون ثروة"(٢٣٢)؟ ولِمَ يخفي الله نفسه ولا يعاقب الأشرار ويثيب الأخيار؟ (٢٣٣)، وها هو ذا مؤلف سفر أيوب يسأل هذه الأسئلة وهو أكثر ممن سبقه عزماً وثباتاً ولعله يعرض بطله أمام الناس رمزاً لعقيدته. ولقد كان بنو إسرائيل كلهم يعبدون يهوه (في فترات متقطعة) كما كان يعبده أيوب، وكانت بابل تجحده وتكفر به؛ ومع ذلك فقد ازدهرت بابل، وتمرغ بنو إسرائيل في الوحل، ولبسوا الخيش حين أسروا وشردوا. فماذا يقول الإنسان في هذا الإله؟
وجاء في مقدمة لهذا السفر، لعل كاتباً أريباً قد دسها فيه ليمحو منه تلك الوصمة، أن الشيطان قال ليهوه أن أيوب إنسان "كامل مستقيم" لأنه رجل محظوظ، فهل يستمسك بتقواه إذا أصابه الضر؟ فيسمح يهوه للشيطان بأن يصب ألوانا من المصائب على رأس أيوب. ويظل البطل وقتاً ما صابراً "صبر أيوب" ولكن صبره هذا يفارقه في آخر الأمر، ويفكر في الانتحار، ويلوم ربه أشد اللوم لأنه نبذه وتخلى عنه. ويصر صوفَر- وقد خرج ليستمتع بآلام صديقه- على أن الله عادل وأنه سيثيب الإنسان الصالح في هذه الدنيا نفسها؛ ولكن أيوب يقطع عليه حديثه محتداً: