التخصص، لم يبق "رئيس البنّائين" رجلاً يشترك بنفسه في العمل اليدوي، بل أصبح رجلاً يضع الخطط ويعرض المناقصات، ويقبل المشارطات، ويخطط الأرض، ويضع الرسوم، ويحصل على المواد، ويؤجر العمال والفنانين، ويؤدي إليهم أجورهم، ويشرف على أعمال البناء من البداية إلى النهاية. وإنا لنعرف أسماء الكثيرين من هؤلاء المهندسين الذين عاشوا بعد عام ١٠٥٠ نعرف أسماء ١٣٧ من المهندسين القوط في أسبانية العصور الوسطى بله غيرها من البلاد. ومن هؤلاء من كانوا ينقشون أسماءهم على ما يشيدونه من الأبنية، ومنهم قلة ألفت كتباً في مهنها. وقد ترك فلار دي هنكور Villard de Honnecourt (حوالي عام ١٢٥٠ سجلا من المذكرات والرسوم التخطيطية المعمارية توضح ما قام به من الأسفار وهو يمارس مهنته من ليون وريمس إلى لوزان وبلاد المجر.
ولم يكن للفنانين الذين يقومون بأعمال أقل درجة من البناء- أي الذين يحفرون الصور، والنقوش، أو يدهنون النوافذ والجدران، أو يزينون المذبح أو مكان المرتلين- لم يكن لهؤلاء الفنانين اسم خاص يمتازون به من الصناع، لقد كان رئيس صناع، وكانت كل صناعة تحاول أن تكون فناً. وكانت معظم الأعمال توزع بمقتضى عقوبة ومشارطات على النقابات الطائفية التي ينتمي إليها الصناع والفنانون على السواء أما العمل الذي لا يحتاج إلى مهارة فكان يقوم به أرقاء الأرض أو عمال متنقلون مأجورون، وإذا ما طلب العمل الإسراع جندت الحكومة رجالاً- وصناعاً ماهرين إذا لوم الأمر- لإنجازه (٣). وكانت ساعات العمل تدوم في الشتاء من مطلع الشمس إلى مغيبها، وفي الصيف من بعد مطلع الشمس إلى قبيل الغروب مع السماح للعمال بوقت يتناولون فيه وجبة الغذاء. وكان المهندسون الإنجليز يتقاضون في عام ١٢٧٥ اثني عشر بنساً في اليوم (١٢ سنتاً أمريكيا) تضاف إليها أجور الانتقال وهدايا في بعض الأحيان.