المؤثرات التي تعبأ لتمويل الحروب الحديثة من الأموال العامة. وقد استنفدت هيئات في الكثدرائيات الفرنسية أموالها الخاصة، وكادت تفلس من أجل ذلك الكنيسة الفرنسية في خلال سورة البناء القوطية. ولم يكن الناس أنفسهم يشعرون وهم يتبرعون بالمال بأنهم يستغلون، وقلما كانوا يحسون فقد القليل الذي يبذله كل فرد منهم، لأن هذا القليل كان يرد إليهم فيما يعود عليهم من عزة جماعية وعمل جليل عظيم، وفيما يكون لهم من بيت للعبادة، ومكان رحب يجتمعون فيه، ومدرسة يتعلم فيها أبناؤهم، ومدرسة للفنون والحرف تتلقاها فيها نقاباتهم الطائفية، وكانت في نظرهم كتاباً مقدساً من الحجارة يقرءون في تماثيله وصورة بعين بصيرتهم قصة إيمانهم. وقصارى القول أن بيت الله كان أيضاً بيت الشعب.
ومن هم الذين خططوا الكتدرئيات؟ إذا كانت العمارة هي فن تخطيط البناء وتجميله، وتوجيه القائمين بتشييده فإن علينا أن نرفض- في حالة الفن القوطي- الرأي القديم القائل أن القديسين أو الرهبان هم مهندسو هذه الصروح. لقد كانت مهمتهم هي أن يصوغوا حاجاتهم، وأن يتقدموا بفكرة عامة عن البناء المطلوب، ويحصلوا على مكان يقيمونه فيه، ويجمعوا ما يلزم من المال. وقد جرت عادة رجال الدين وبخاصة رهبان دير كلوني قبل عام ١٠٥٠ أن يصمموا البناء، ويضعوا خطته، ويشرفوا على بنائه. أما الكتدرئيات الكبرى- كلها بعد عام ١٠٥٠ - فقد كان لابد فيها من استخدام مهندسين محترفين، كانوا كلهم-إلا قلة منهم لا تذكر- من غير الرهبان أو القسس. ولم يكن المهندس المعماري يلقب بهذا اللقب قبل عام ١٥٦٣، بل كان يسمى في العصور الوسطى"رئيس البنائين" وأحياناً "رئيس المشيدين"، وتدلنا هذه التسمية على منشئه فقد كان يبدأ حياته بناءً يعمل بيده البناء الذي يشرف عليه. فلما استهل القرن الثالث عشر وعظم الثراء، فشيدت بفضله الصروح الكبيرة، وزاد