للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعبارات تدركها العقول في هذه الحياة الدنيوية، ولا يستطاع الإجابة عنها- كما يقول دانيال وأخنوخ و (كانت Kant) إلا إذا آمن الإنسان بحياة بعد الممات، ترفع فيها كل المظالم وتصحح كل الأخطاء، يعاقب فيها المسيء، ويثاب المحسن أجزل الثواب. وكانت هذه إحدى الأفكار المختلفة التي سرت في المسيحية، وكانت من اكبر أسباب انتصارها على غيرها من الأديان المعاصرة لها.

ويجيب سفر الجامعة عن هذه المسألة جواباً متشائماً، فيقول إن الهناءة والشقاء في هذا العالم لا شأن لها بالفضيلة والرذيلة (١):

"قد رأيت الكل في أيام بُطْلى، قد يكون بارٌّ يبيد في برّه، وقد يكون شرير يطول في شره … ثم رجعت ورأيت كل المظالم التي تجرى تحت الشمس: فهو ذا دموع المظلومين ولا مقر لهم، ومن يد ظالميهم قهر … إن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد فلا ترتع من الأمر … لأن فوق العالي عالياً" (٢٤١).

وليست الفضيلة والرذيلة هما اللتين تقوم عليهما سعادة الإنسان وشقاؤه، وإنما تقوم السعادة والشقاء على المصادفة العمياء: "فعدت ورأيت تحت الشمس أن السعي ليس للخفيف، ولا الحرب للأقوياء، ولا الخبز للحكماء، ولا الغني للفهماء، ولا النعمة لذوي المعرفة، لأن الوقت والفُرَصْ يلاقيانهم كافة" (٢٤٢). وحتى الثروة نفسها لا بقاء لها ولا تسعد صاحبها طويلا: "من يحب الفضة لا يشبع من الفضة، ومن يحب الثروة لا يشبع من دخل. هذا أيضا باطل … نوم المشتغل حلو إن أكل قليلاً أو كثيراً. ووفر الغني لا يربحه حتى ينام" (٢٤٣). ويذكر الكاتب أهله فيجمع مبادئ مالتس Maltus في سطر واحد: "إذا كثرت الخيرات كثر الذين يأكلونها" (٢٤٤). كذلك لا يخفف من آلامه ما يقال


(١) لا يعرف مؤلف هذا السفر ولا وقت تأليفه. ويرجعه سارتن إلى الفترة الواقعة ما بين عامي ٢٥٠، ١٦٨ ق. م. ويطلق المؤلف على نفسه اسمين أدبيين مستعارين نخلط بينهما وهما "كحيلة" و"ابن داود ملك أورشليم" أي سليمان.