للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له عن ماض ذهبي أو مستقبل هنيء، فهو يرى أن الأمور جميعها كانت في ماضيها كما هي في حاضرها وكما ستكون في مستقبلها على الدوام: "لا تقل لماذا كانت الأيام الأولى خيراً من هذه؟ لأنه ليس عن حكمة تسأل عن هذا" (٢٤٥). ومن واجب الإنسان أن يعنى باختيار مؤرخيه: "ما كان فهو ما يكون، والذي صُنع فهو الذي يُصنع فليس تحت الشمس جديد. إن وجد شيء يقال له انظر: هذا جديد، فهو منذ زمان كان في الدهور التي قبلنا" (٢٤٦). وهو يظن أن الرقي وهم باطل فالمدنيات القديمة قد نسيت وستنسى أيضاً المدنيات القائمة (٢٤٧).

وهو يرى أن الحياة بوجه عام عمل محزن، وأن لا ضير من التخلص منها، فهي حركة دائرية لا غاية لها ولا هدف ولا نتيجة باقية، تنتهي حيث تبدأ؛ وهي صراع عقيم باطل ليس فيه شيء محقق إلا الهزيمة:

"باطل الأباطيل قال الجامعة؛ باطل الأباطيل الكل باطل. ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذي يتعبه تحت الشمس، دور يمضي ودور يجيء، والأرض قائمة إلى الأبد، والشمس تشرق، والشمس تغرب، وتسرع إلى موضعها حيث تشرق. الريح تذهب إلى الجنوب وتدور إلى الشمال، تذهب دائرة دورانا، وإلى مداراتها ترجع الريح. كل الأنهار تجري إلى البحر، والبحر ليس بملآن. إلى المكان الذي جرت منه الأنهار، إلى هناك تذهب راجعة … فغبطت أنا الأموات الذين قد ماتوا منذ زمان أكثر من الأحياء الذين هم عائشون بعد. وخير من كليهما الذي لم يولد بعد، الذي لم ير العمل الرديء الذي عمل تحت الشمس … الصيت خير من الدهن الطيب، ويم الممات خير من يوم الولادة" (٢٤٨).

وهو يقضي بعض الوقت يبحث عن حل للغز الحياة في الانغماس في الملذات. "فمدحت الفرح لأنه ليس للإنسان خير تحت الشمس إلا أن يأكل ويشرب ويفرح". ولكن "هذا أيضا باطل". والصعوبة التي تواجهنا في مسراتنا هي المرأة، ويلوح أن الواعظ قد لاقى منها شراً لم يستطع نسيانه. "رجلاً واحداً