والذكاء، والإيمان، قد جعلها في القرن العاشر كعبة للتعليم العالي وأما حنوناً لطائفة من أنبه الشخصيات ذكراً في الفلسفة المدرسية. ولما أن احترقت في عام ١٠٢٠ كثدرائية فلبير التي شيدت في القرن التاسع، أخذ على عاتقه من فوره أن يعيد بناءها، وطال عمره حتى شاهد تمام هذا البناء. ولما دمرته النار للمرة الثانية في عام ١١٣٤، جعل الأسقف ثيودريك إقامة كثدرائية جديدة بمثابة حرب صليبية حقة، فبعث في قلوب الناس من التحمس لإنجاز هذا العمل ما جعلهم يغدقون عليه من المال والجهد ما وصفه شاهد عيان هو هيمون Haimon رئيس أحد الأديرة النورمندية في عام ١١٤٤ بقوله:
رأيت الملوك، والأمراء، وذوي القوة والسلطان من رجال العالم المزهوين بألقاب الشرف وبالثراء، والرجال والنساء من أبناء الأسرة الشريفة، رأيت هؤلاء يطوقون أعناقهم المنتفخة المنبئة بالعظمة والكبرياء بالأرسان، ويشدون أنفسهم إلى العربات يجرونها كما تجرها الدواب، وكتل الخشب وما إليها من الأشياء اللازمة لحياة الناس أو لبناء الكنائس … يضاف إلى هذا أن نشاهد تلك لمعجزة تقع في الوقت الذي يجرون فيه العربات: وهي أن ألفاً من الرجال والنساء … يشدون أحياناً إلى حبال العربات … ومع ذلك فإنهم يتقدمون وهم صامتون لا يسمع لهم صوت ولا همس … فإذا وقفوا في الطريق لا تسمع منهم ألفاظاً إلا اعترافاً بخطاياهم … وضراعة ودعاءاً طاهراً … ويعظهم القسيسون ويدعونهم إلى السلام، وتسلى السخائم والأحقاد من الصدور وتزول أسباب الفرقة والانقسام، وينزل الدائنون عن ديونهم وتعود الوحدة إلى الصفوف (١٣).
ولم تكد كثدرائية الأسقف ثيودريك تتم (١١٨٠) حتى شبت فيها النار في عام ١١٩٤ فدمرت الصحن وهدمت قبته وجدرانه، ولم يبق من الكنيسة إلا القبو السفلي والواجهة الغربية ببرجيها وشمروخيها متفرقة منعزلة، ويقال إن