أراد أن يحرر ميديا وفارس من غزو البدو الهمج الضاربين في أواسط آسية. ويلوح أنه أوغل في حملاته حتى وصل إلى ضفاف نهر جيحون شمالاً وإلى الهند شرقاً؛ فلما وصل إلى ذروة مجده قتل فجأة وهو يحارب المسجيتة إحدى القبائل المجهولة التي كانت نازلة على السواحل الجنوبية لبحر الخزر، فكان كالإسكندر افتتح إمبراطورية متسعة الرقعة ولكن المنية عاجلته قبل أن ينظمها. لكن أخلاق قورش قد شابتها شائبة كبيرة، تلك هي قسوته المفرطة في بعض الأحيان.
وجاء بعده ابنه قمبيز وكان به شِبْهُ جِنّة، فورث عن أبيه قوته وإن لم يرث عنه شيئاً من كرمه. وبدأ قمبيز حكمه بأن قتل أخاه سمرديس منافسه في المُلك، ثم أغوته ثروة مصر الطائلة فزحف عليها ليمد حدود الإمبراطورية الفارسية إلى نهر النيل. وأفلح فيما كان يبتغيه، ولكنه على ما يظهر أضاع في سبيل ذلك رشده. ولم يكلفه الاستيلاء على منف كبير مشقة، ولكن الجيش الذي أرسله للاستيلاء على واحة أمون هلك في الصحراء، كما أخفقت حملة سيرها إلى قرطاجنة لأن بحارة الأسطول الفارسي الفينيقيين أبوا أن يهاجموا مستعمرة فينيقية؛ وجن جنون قمبيز، فذهبت عنه حكمة أبيه، وما كان يتصف به من رحمة وتسامح، فأخذ يسخر من دين المصريين، وطعن بخنجره العجل أبيس معبودهم وموضع إجلالهم وتقديسهم وهو يستهزئ به. ولم يكفه هذا، بل أخرج الجثث المحنطة من مدافنها ونبش قبور الملوك ولم يبال في ذلك بما كان عليها من لعنات قديمة، ودنس الهياكل وأمر بإحراق ما فيها من الأصنام، ظناً منه أن عمله هذا سوف يشفي المصريين من خرافاتهم وأوهامهم، فلما انتابه المرض- ويلوح أن مرضه كان نوبات مرض تشنجية- لم يبق لدى المصريين شك في أن مرضه إنما هو عقاب حل به من قبل آلهتهم وأن دينهم لم يبق فيه بعدئذ ريبة لمرتاب. وكأن قمبيز قد أراد أن يبرهن مرة أخرى على مساوئ الملكية المطلقة، ففعل ما فعله