للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مأساة حيوية. فقد كانت الكنيسة تزعم أنها موجود روحي بالإضافة الى مجموع الأفراد المنضمين إليها؛ وكانت تشعر بأن (للكل) صفات وقوى غير صفات أجزاءه وقواها؛ ولم يكن في مقدورها أن تعترف بأنها فكرة مجردة، وأن الأفكار والعلاقات التي لا نهاية لها والتي يوحي بها لفظ (الكنيسة) ليست إلا أفكاراً ومشاعر في أعضاءها المكونين لها، بل أنها هي (عروس المسيح) الحية. وشر من هذا قولها: إذا كان الأشخاص، والأشياء، والأعمال، والأفكار المفردة، هي وحدها الموجودة فماذا يكون مصير الثالوث؟ هل تكون وحدة الأقاليم الثلاثة فكرة مجردة لا اكثر، أو هل هي ثلاثة آلهة منفصلة عن بعضها البعض؟ أن علينا أن نضع أنفسنا في الجو اللاهوتي المحيط بروسلان إذ شئنا أن نفهم ما حل به.

ولسنا نعرف آراءه إلا من أقوال معارضيه، فهم يقولون أنه يرى أن الكليات والأفكار العامة ليست إلا ألفاظاً (voces) ، أي هواء الصوت (flatus vocis) ؛ فأما الأشياء المفردة فموجودة، والأفراد المفردون موجودون، وأما كل ما عدا هذا فهو أسماء (noméina) . وليست الأجناس، والأنواع، والصفات، وجود مستقبل؛ فالإنسان لا وجود له، بل الذين يوجدون هم الرجال، ولا وجود للون إلا في الأشياء الملونة. وما من شك في أن الكنيسة كانت تترك روسلان وشأنه لو لم يطبق هذه (الاسمية) على الثالوث. فقد نقل عنه أنه قال أن الله لفظ أطلق على أقانيم الثالوث الثلاثة، كما أطلق لفظ الإنسان على كثيرين من الرجال؛ ولكن كل ما له وجود حقاً هو الأقانيم الثلاثة- أي ثلاثة آلهة في واقع الأمر. وفي هذا اعتراف بالشرك الذي يتهم به الإسلام المسيحية اتهاما ضمنياً خمس مرات في اليوم من فوق ألف مأذنة (١). ولم تكن الكنيسة ترضى


(١) قصد حين يقول المؤذن "لا إله إلا الله" ولكننا نرى في هذا اتهاماً للمسيحية بل تقريراً لركن من أركان الإسلام. (المترجم)