بالرجوع إلى العقل والمنطق. غير أن النص المقدس قد فد في بعض الأحيان لما أضيف إليه زوراً، أو لعدم العناية بالنسخ؛ ولهذا فإذا ناقضت نصوص الكتاب المقدس أو كتب آباء الكنيسة بعضها بعضاً، وجب أن نحاول التوفيق بين النصوص المتناقضة بالاعتماد على العقل. وكتب في نفس كلمة الافتتاح عبارة أستبق بها شكوك ديكارت بأربعمائة عام فقال:"أن أول مفاتيح الحكمة هو المثابرة على الأسئلة وتكرارها … لأن الشك يؤدي بنا إلى البحث، والبحث يوصلنا إلى النتيجة"(٢٤). ويقول أن عيسى نفسه حين واجه العلماء في المعبد أمطرهم وابلاً من الأسئلة. ويكاد الحوار الأول في الكتاب يكون إعلاناً لاستقلال الفلسفة:"يجب أن يكون أساس الإيمان في عقل الإنسان وفي القضايا المتناقضة". وهو ينقل أقوالاً عن أمبروز، وأغسطين، وجر بحوري الأول، تؤيد الإيمان، ويستشهد بأقوال من هيلاري Hilary، وجيروم، وأوغسطين، على أن من الخير أن يستطيع الإنسان أن يثبت دينه بالاعتماد على العقل. ويكرر أبلار استمساكه بأصول الدين، ولكنه يعرض للجدل مسائل مثل: الإرادة الإلهية، والإرادة الحرة، ووجود الخطيئة والشرف في عالم خلقه إله خيّر قادر على كل شيء، واحتمال أن يكون الله غير قادر على كل شيء. وما من شكل في أن استدلاله الحر في هذه المسائل قد زلزل إيمان الطلاب الشبان المولعين بالجدل. على أن هذه الطريقة - طريقة التعليم بالبحث الحر إلى أقصى حدود الحرية- أضحت هي الخطية المألوفة المتبعة في الجامعات الفرنسية وفي الكتابات الفلسفية والدينية؛ وأكبر الظن أنها قد سلكت هذه السبيل بفضل المثل الذي ضربه لها أبلار (٢٥). وسنرى القديس تومس يتبعها دون أن يخشى شيئاً ودون أن يوجه إليه لوم، وهكذا وجدت النزعة العقلية مكاناً لها في مستهل عهد الفلسفة المدرسية.
وإذا كان كتابه نعم ولا لم يغضب إلا عدداً قليلاً من الناس لأنه لم يوزع منه إلا عدد قليل من النسخ، فأن ما حوله أبلار من تحكيم العقل في