موضوع التثليث - وهو الموضوع الشديد الغموض- لم يكن له ذلك الأثر الضيق الذي كان لهذا الكتاب، ولم يكن ارتياع الناس له محصوراً في القليل منهم؛ وذلك لأنه كان موضوع محاضراته التي ألقاها في عام ١١٢٠، وموضوع كتابه في وحدة الإله والتثليث. وقد كتب هذا الكتاب، كما يقول هو نفسه:(لطلابي لأنهم كانوا على الدوام يبحثون عن العقول وعن الشروح الفلسفية، ويسألون عما يستطيعون فهمه من الأسباب لا عن الألفاظ دون غيرها، ويقولون أن من العبث أن نعلق بألفاظ لا يستطيع النقل تتبعها، وأنه لا شيء يمكن تصديقه إلا إذا أمكن فهمه أولاً، وأن من أسخف الأشياء أن يعظ إنسان غيره بشيء لا يستطيع هو نفسه أن يفهمه ولا يستطيع من يسعى لتعليمهم أن يفهموه (٢٦) " وهو يقول أن هذا الكتاب (أنتشر انتشاراً واسعاً جداً) وأن الناس أعجبوا بما فيه من دقة. وقد أشار فيه إلى أن وحدة الله هي النقطة الوحيدة التي يتفق فيها أعظم الأديان وأعظم الفلاسفة. ففي الله الواحد الأحد تشهد قدرته بوصفه الأقنوم الأول، وحكمته بوصفه الأقنوم الثاني، ونعمته، وإحسانه، وحبه بوصفها الأقنوم الثالث. وهذه كلها نواح أو أعراض من الجوهر القدسي؛ ولكن جميع أفعال الله تتضمن وتجمع في الوقت عينه قدرته، وحكمته، وحبه (٢٢). وقد شعر كثيرون من رجال الدين بأن هذا التشبيه مما يمكن التجاوز عنه والسماح به؛ ورفض أسقف باريس ما طلبه إليه روسلان -وكان قد أصبح وقتئذ شيخاً طاعناً في السن مستمسكاً بالدين- أن يتهم أبلار بالكفر؛ ودافع جيفروي Geoffroy أسقف شارتر عن أبلار طوال فترة السخط الذي حل بهذا الفيلسوف المستهتر. ولكن ألبريك Alberic ولوتلف، وهما مدرسان في ريمس كانا قد تنازعاً مع أبلار في لامون عام ١١١٣، حرصاً كبير الأساقفة على أن يأمره بالمجيء إلى سواسون ومعه كتابه عن التثليث، وأن يدفع عن نفسه تهمة الإلحاد. فلما قدم أبلار إلى سواسون (١١٢١) وجد أن الغوغاء قد أثيروا عليه، وأنهم