"يوشكون أن يرجموني بالحجارة … لاعتقادهم أني قلت بوجود آلهة ثلاثة"(٢٨). وطلب أسقف شارتر أن يستمع المجلس إلى دفاع أبلار عن نفسه، ولكن ألبريك وغيره رفضوا طلبه بحجة أن أحداً لا يستطيع أن يدحض حجج أبلار ولا يسعه إلا أن يقتنع بأقواله. وأدانه المجلس من غير أن يستمع إليه، وأرغمه على أن يلقي كتابه في الدار، وأمر رئيس دير القديس Medrad أن يجزه في الدير سنة كاملة، ولكن مرسوماً بابويا أفرج عنه بعد وقت قصير، وأعاده إلى دير القديس دنيس.
وقضى أبلار في الدير سنة في شجار دائم مع رهبانه المشاكسين، ثم حصل بعد ذلك من رئيس الدير الجديد سوجر Suger العظيم على إذن بأن يبنى لنفسه صومعة في بقعة منعزلة في منتصف المسافة بين فونتينبلو Fontainebleau وتروى (١١٢٢)، وهناك أقام بمعونة رفيق في الدرجات الدنيا من الرهبة مصلى صغيرة من القش والغاب سماها (الثالوث المقدس). ولما سمع الطلاب أنه قد أجيز له مرة أخرى أن يدرس أقبلوا عليه، وجعلوا من أنفسهم مدرسة عاجلة مرتجلة، وبنوا أكواخاً بجوار المصلى، وناموا على القش والبوص، وطمعوا (الخبر الخشن وأعشاب الحقول (٢٩). وظهر في هذا المكان تعطش للعلم ما لبث أن أوجد الجامعات وملأها بالطلاب. والحق أن العصور المظلمة أضحت في هذا المكان وكأنها كابوس أوشك أن يدرج في طيات النسيان. وأخذ الطلاب، في نظير ما يلقيه من المحاضرات، يحرثون الأرض، ويقيمون الأبنية، وأنشئوا له مصلى جديدة من الخشب والحجارة سماها الروح المقدس، كأنه يريد أن يقول أن حب مريديه قد نزل عليه نزول الروح القدس في اللحظة التي فر فيها من المجتمع إلى العزلة واليأس.
ولم تكن الثلاث السنين التي قضاها في ذلك المكان أقل سعادة من أية سنين عرفها من قبل. وأكبر الظن أن المحاضرات التي ألقاها على هؤلاء