القدس" … وتعيد في رسالتها الثانية عبارات الهيام وعدم النقي فتقول: "لقد كنت على الدوام أخشى أن أغضبك، لا أن أغضب الله، وأعمل على رضائك أكثر مما أعمل على رضائه … فأنظر أية حياة تعسة لا بد أن أحياها إذا كنت أقاسي كل هذا عبئاً، لا أمل لي في أن أثاب عليه في المستقبل. لقد ظللت، كما ظل الكثيرون غيرك زمناً طويلاً مغروراً بخداعي وتمويهي فحسبت النفاق ديناً" (٤٠). فيجيبها بأن المسيح، لا هو، قد أحبهاً بحق: لقد كان هيامي شهوة جنسية لا حباً، ولقد أشبعت شهوتي الدنيئة فيك، وكان هذا كل ما أحببت … فاذرفي الدمع من أجل منقذك لا من أجل من منقذك لا من أجل من أغواك، من أجل منجيك لا من أجل مدنسك (٤١). ثم يؤلف دعاء مؤثراً يطلب إليها أن تتلوه من أجله. وتبدو في رسالتها الثالثة وقد استسلمت لموت حبة الدنيوي؛ ولا تطلب إليه وقتئذ إلا قاعدة جديدة تستطيع هي ومن معها من الراهبات أن يحيين بها حياة دينية حقة. ويستجيب هو إلى رغبتها ويضع لهن دستوراً رحيماً معتدلاً، ويكتب مواعظ يقوي بها إيمانهن، ويبعث بهذه كلها إلى هلواز موقعة بتوقيع رقيق: "وداعاً في الرب إلى خادمته، من كانت في وقت ما عزيزة على في هذا العالم، وأضحت الآن أعز الناس في المسيح". لقد كان في ثنايا قلبه المحطم لا يزال يهيم بحبها.
وبعد، فهل هذه الرسائل الشهيرة حقيقة؟ أن هذه المشكلة لتواجهنا قوية مستعصية. يقال أن أولى رسائل هلواز قد كتبت على أثر ظهور كتابه تاريخ مصائبي وهو يذكر فيه عدة زيارات قام بها أبلار لهلواز في الروح القدس؛ ومع هذا فهي تشكو أنه قد أغفلها. ولكن لعل تاريخه قد ظهر أجزاء منقطعة، وأن الأجزاء الأولى منه وحدها هي السابقة على الرسالة. ثم أن النزعة الشهوانية الجزئية الظاهرة في بعض فقراتها تبدو غير معقولة لصدورها من امرأة أكسبها تقاها وتفانيها في أمور الدين مدى أربعة عشر عاما ذلك الإجلال السامي عند جميع الناس، وهو الإجلال الذي يشهد به بطرس المبجل Peter the Venerable