وعلم اللاهوت المسيحي؛ كما أن مؤلفات ترجمة أرسطو العلمية وفيما وراء الطبيعة إلى اللغة العربية دفعت المفكرين المسلمين إلى أن يحاولوا التوفيق بين العقائد الإسلامية والفلسفة اليونانية. وكما إن اصطدام آراء أرسطو بعقول العبرانيين في أسبانيا قد اخذ يدفع ابن داود وابن ميمون في القرن الثاني عشر لان يحاولا التوفيق بين اليهودية والتفكير الهليني، وإن كان أرسطو قد بدا فوق متناول سلطان الكتب المقدسة، فقد اضطر علماء الدين المسيحي الى استخدام لغة العقل والمنطق وأسلحتهما. ولو أن الفيلسوف اليوناني كان حياً في هذه الأثناء لتبسم وهو يشهد كم من الأديان التي زلزلت العالم تجل آراءه.
ولكن ليس من حقنا أن نغالي في تقدير اثر المفكرين اليوناني في ازدهار الفلسفة أثناء تلك الفترة من الزمن. ذلك أن انتشار لتعليم، وما كان للجدل والحياة الذهنية من قوة حيوية في المدارس والجامعات خلال القرن الثاني عشر، والحافز القوي الذي كان لرجال من أمثال روسلان، ووليم الشمبوكسي، وأبلار، ووليم الكنشيسي، ويوحنا السلزبري؛ وأتساع آفاق الفكر بتأثير الحروب الصليبية، وازدياد علم الأوربيين بالحياة الإسلامية والتفكير الإسلامي في الشرق والغرب - كل هذا من شأنه أن يخلق رجالاً على شاكلة أكوناس ولو ظل أرسطو مجهولاً. والحق أن منشأ الجد الذي اتصف به أكوناس لم يكن حب أرسطو بل خشية ابن رشد. ذلك أن الفلاسفة العرب واليهود اخذوا منذ القرن الثاني عشر يؤثرون في التفكير المسيحي في أسبانيا؛ فقد دخل الكندي، والفارابي، والغزالي، وأبن سينا، وان جبيرول، وابن رشد، وابن ميمون أوربا اللاتينية من نفس الابواب التي دخلها منه افلاطون، وأرسطو، وأبقراط، وجالينوس، وأقليدس، وبطليموس.
وكان غزو التفكير الأجنبي على هذا النحو من أقوى الصدمات الذهنية للعقل الغربي الذي لم ينضج بعد، فلا عجب والحالة هذه إذا قوبل في بادئ الأمر