فردريك جهرة اعتناقه المذهب المادي (٣٠). أما في إيطاليا الشمالية فان عمال الصناعة، ورجال التجارة والمال، والمحامين، وأساتذة الجامعات اندفعوا إلى حد ما في تيار المتشككين. واشتهرت جامعة بولونيا بعدم مبالاتها بالدين، فكانت المدارس الطبية فيها وفي غيرها من المدن مراكز للشك، وفيها نشأ القول المأثور (حيث يجتمع ثلاثة أطباء يكون اثنان منهم كافرين ubi tres medici duo athei) (٣١) ، وكادت آراء ابن رشد حوالي عام ١٢٤٠ تصبح الطراز العصري بين الطبقات المتعلمة من غير رجال الدين في إيطاليا. وكان آلاف منهم يقبلون عقائد ابن رشد القائلة بان القانون الطبيعي يحكم العالم دون تدخل من قبل الله؛ وان العالم مخلد كله؛ وانه لا يوجد إلا نفس واحد خالدة هي (عقل) الكون (الفعال)، وان النفس الفردية ليست إلا مظهراً أو صورة عابرة زائلة من هذا العقل، وان الجنة والنار قصص اخترعت لتغرى العالم أو ترهبهم فيحسن سلوكهم (٣٢). وأراد بعض المعتنقين لآراء ابن رشد ان يسترضوا محاكم التفتيش فتقدموا بعقيدة الحقيقة المزدوجة؛ فقالوا أن القضية قد تبدو صحيحة من ناحية الفلسفة أو حسب التعليل الطبيعي، ولكنها مع ذلك قد تكون خاطئة حسب الكتب المقدسة أو الدين المسيحي؛ واقروا في الوقت نفسه انهم يؤمنون بمقتضى الدين بما يشكون فيه حسب العقل والمنطق. وهذه النظرية تنكر الفرض الأساسي من فروض الفلسفة المدرسية - وهو إسكان التوفيق بين العقل والدين.
وكانت جامعة بدوا في أواخر القرن الثالث عشر، وطول القرنين الرابع عشر والخامس عشر مركزاً مضطرباً لفلسفة ابن رشد. ونذكر من الشواهد الدالة على هذا الاضطراب أن بطرس الأباوي Peter of abano (حوالي ١٢٥٠ - ١٣١٦) أستاذ الطب في جامعة باريس ثم أستاذ الفلسفة في جامعة يدوا، الف كتاباً يراد به التوفيق بين النظريات الطبية والفلسفية. وقد اكتسب مكانة