فكيف لا تؤثر هذه الأجرام، في أحوال الناس والدول، بل كيف لا تحدد هذه الأحوال تحديداً فتسيطر على نموهم، وطبيعتهم، وأمراضهم، ومراحل حياتهم، وخصوبتهم، وما يفتشوا بينهم من أوبئة، وما يقع لهم من أحداث وثورات، وتقرير مصيرهم؟ هذا ما كان راسخاً في عقل كل إنسان تقريباً في العصور الوسطى. وقلما كان يخلو بيت من ملك أو أمير من منجم محترف. وكان الأطباء يحجمون مرضاهم، كما لا يزال كثير من الفلاحين يبذرون حبهم، حسب أوجه القمر؛ وكانت معظم الجامعات تدرس مناهج في التنجيم، ويقصدون به (علم النجوم)؛ وكان علم الفلك نفسه جزءاً من التنجيم، وكان من أكبر أسباب تقدمه اهتمام الناس بالتنجيم وأغراضه. وكان العلماء الجادون يقررون أنهم وجدوا علاقات ثابتة منتظمة يمكن التنبؤ بنتائجها بين الأجرام السماوية والأرض؛ فالذين يولدون وزحل في أوجه يكونون باردي المزاج، نكدين، منقبضي الصدور؛ والذين يولدون والمشتري في أوجه يكونون معتدلي المزاج مرحين؛ ومن يولدون تحت تأثير المريخ يكونون ملتهبي المزاج ذوي نزعة عسكرية؛ ومن يولدون تحت تأثير الزهرة يتصفون بالرقة وكثرة النسل؛ ومن يولدون تحت تأثير عطارد يصيرون خلائق منقلبين لا يثبتون على حال؛ ومن يولدون والقمر في كبد السماء يكونون سوداويين قد تصل حالهم إلى الجنون. وكانت قراءة الطالع المولود تنبئ بحياتها كلها بالنظر إلى البرج الموجود وقت مولده. ولهذا فإن من يريد معرفة الطالع الصحيح لشخص يجب عليه أن ينظر إلى الساعة ويعرف بالدقة اللحظة التي ولد فيها، وموضع النجوم بغاية الدقة والتحديد. ومن ثم كانت أهم الأغراض التي وضعت من أجلها الأزياج الفلكية هي المساعدة على معرفة هذه الطوالع.
وتبرز في تلك الأيام أسماء المتبحرين في هذه العلوم الخفية؛ من هؤلاء بطرس الأبنووي Peter of Abano الذي كان ينزل بالفلسفة فيجعلها تنجيماً. وكان لآرنلد الفلانوفي الطبيب الشهير ولع بالسحر؛ وكان سكوداسكولي