وليم الأوفرني أسقف باريس (المتوفى عام ١٢٤٩)، كان يناصر البحث العلمي، ويسخر من الذين يتسرعون فيرون في كل حادثة غير مألوفة عملاً من أعمال الله مباشرةً. وقد يرع جروستستي أسقف لنكلن في دراسة العلوم الرياضية، والبصريات، وفي العلوم التجريبية، براعة جعلت روجر بيكن يضعه في منزلة أرسطو. ولسنا نعرف أن طائفتي الرهبان الدمنيك أو الفرنسيس قد أثارتا اعتراضاً على الدراسات العلمية التي قام بها ألبرتس مجنس أو روجر بيكن؛ أما القديس برنار وبعض المتحمسين المتزمتين فكانوا يعرضون في طلب العلم؛ ولكن الكنيسة لم تأخذ برأيهم هذا (٢٣)، وكانت ترى أن من الصعب عليها أن ترضى بتشريح جثث الآدميين لأن من عقائدها الأساسية أن الإنسان خلق في صورة الله، وأن الجسم والروح كليهما سيقومان من القبر. وكان المسلمون واليهود يرون معها هذا الرأي بعينه (٢٤)، كما كانت تقول به الكثرة الغالبة من الناس (٢٥). وقال جيدو الفجيفانوي Guido of Vigevano في عام ١٣٤٥ عن التشريح إنه (محرم بأمر الكنيسة)(٢٦). ولكننا لا نجد ما يحرمه في أوامرها قبل مرسوم البابا بنيفاس الثامن الصادر في عام ١٣٠٠، وحتى هذا المرسوم لا ينهى إلا عن تقطيع الجثث وغلى لحمها، لكي ترسل عظام الصليبيين المعقمة إلى أهليهم ليدفنوها في بلادهم (٢٧). وربما فسر هذا تفسيراً خاطئاً ففهم على أنه نهى عن تشريح الجثث بعد الموت، ولكننا نجد مندينو Mondino الجرّاح الإيطالي يغلي الجثث ويشرحها حوالي عام ١٣٢٠؛ ومبلغ علمنا أن الكنيسة لم تحتج على عمله هذا (٢٨).
وبعد فإذا ما بدت ثمار العلوم الطبيعية في الغرب أثناء العصور الوسطى ضئيلة قليلة الغناء في هذا الموجز الذي يراه القارئ فيما بعد، فإن علينا أن نذكر أنها نشأت في بيئة من الخرافة والسحر معادية للعلم، وفي عصر تتجه فيه خير العقول إلى القانون، واللاهوت، وفي وقت يعتقد فيه الناس كلهم تقريباً أن المسائل