على زيارة كل مريض ثلاث مرات في الشهر؛ فيصرح له في هذا الحال أن يطلب أجراً عن الزيارة التالية. وكان الطبيب الذي يؤدي هذه الخدمات يعفى من الضرائب ويتقاضى مرتباً سنوياً مقداره عشرون جنيها (٦٨) قيمتها أربعة آلاف دولار في هذه الأيام (١).
وإذ كان الأطباء المرخصون قليلي العدد في أوربا المسيحية أثناء القرن الثالث عشر، فقد كانت أجورهم عالية، وكانت لهم منزلة اجتماعية سامية؛ فمنهم من جمعوا ثروات طائلة، ومنهم من أصبحوا من هواة جمع التحف الفنية، ومنهم من كانت لهم شهرة عالمية. فمن هؤلاء الأطباء بطرس هسبانس petrus Hispanus - بطرس اللشبوني ولكملستيلي Peter of Lis bon and Compostela - الذي هاجر إلى باريس ثم إلى سينا، وكتب أوسع كتب الطب انتشاراً في العصور الوسطى وهو كتاب كنز الفقراء، وخير بحث في علم النفس في تلك العصور وهو كتاب النفس De anima، وصار بعدئذ البابا يوحنا الحادي والعشرين في عام ١٢٧٦، ثم قضى نحبه حين سقط عليه سقف في عام ١٢٧٧. وكان أشهر طبيب مسيحي في ذلك الوقت هو آرنلد الفلانوفي (حوالي ١٢٣٥ - ١٣١١). وقد ولد بالقرب من بلنسية وتعلم اللغات العربية، والعبرية، واليونانية؛ ودرس الطب في نابلي، وعلمه هو أو الفلسفة الطبيعية في باريس، ومنبلييه، وبرشلونة، ورومة، وألف عدداً كبيراً من الكتب في الطب، والكيمياء، والتنجيم، والسحر، واللاهوت، وعصر النبيذ، وتفسير الأحلام. ولمّا عين طبيباً لجيمس الثاني ملك أرغونة أنذر الملك مراراً أنه إن لم يحم الفقراء من الأغنياء فإنه سوف يلقى إلى الجحيم (٧٠). وكان جيمس يحبه رغم هذا التحذير
(١) ولم يكن يحق للطبيب حسب قوانين القوط الغربيين في أسبانيا أن يتقاضى أجراً إذا توفي مريضه.