ويرسله في كثير من البعثات الدبلوماسية. وهاله ما رآه في كثير من البلدان من البؤس والاستغلال، فأضحى من أتباع يواقيم الفورى Joachim of Flora وأعلن في رسائل يبعث بها إلى الأمراء والأحبار أن آثام الأقوياء وترف رجال الدين نذيران بخراب العالم. ورمى الرجل بالسحر الأسود والإلحاد وانهم بأنه صنع باستخدام الكيمياء سبائك من الذهب لربرت ملك نابلي. وأدانته محكمة الكنيسة ولكن البابا بنيفاس الثامن أطلق سراحه؛ ونجح في علاج البابا الشيخ من حصى في الكلى، فأهداه البابا قصراً في أنياني. ثم أنذر بنيفاس أنه إذا لم تصلح الكنيسة أحوالها، فسيحل عليها غضب الله سريعاً. وما لبث بنيفاس بعدئذ أن حلت به النوائب التي ذاعت أخبارها في طول البلاد وعرضها ومات من فرط اليأس. وظلت محكمة التفتيش تطارد آرنلد ولكن الملوك والبابوات كانوا يدافعون عنه لأنه يداوي أسقامهم، إلى أن مات غريقاً أثناء بعثة من قبل جيمس الثاني لكلمنت الخامس (٧١).
هذا من حيث الطب، أما الجراحة في ذلك الوقت فقد كانت تحارب في جبهتين إحداهما ضد الحلاقين والثانية ضد المطببين العموميين. فقد كان الحلاقون من زمن بعيد يعطون الحقن، ويخلعون الأسنان، ويعالجون بالجروح، ويحجمون. وكان الجراحون الذين تلقوا تدريباً طبياً يحتجون على أداء هذه الخدمات التي تستخدم فيها القوة العضلية، ولكن القانون ظل يحمي الحلاقين طوال العصور المظلمة كلها، حتى لقد ظل من واجبات جراحي الجيش في بروسيا إلى عهد فردريك الأكبر أن يحلقوا ذقون الضباط (٧٢). وكان من نتائج هذا الخلط في الواجبات أن ظل الجراحون أقل منزلة من الأطباء في العلم وفي نظر المجتمع، فكان ينظر إليهم على أنهم صناع بسطاء يطيعون أوامر الطبيب الذي كان قبل القرن الثالث عشر يستنكف أن يمارس الجراحة بنفسه (٧٣). وكان مما يثبط همم الجراحين زيادة على هذا خشيتهم من السجن أو الموت إذا أخفقوا في أعمالهم؛