وانضم إلى طائفة الرهبان الفرنسيس حوالي عام ١٢٥٥، ولكن يبدو أنه لم يصبح في يوم من الأيام قساً.
وعافت نفس بيكن ميتافيزيقية المدرسيين، فألقى بنفسه بحماسة بالغة في تيار العلوم الرياضية، والتاريخ الطبيعي، والفلسفة. وليس من حقنا أن نفكر فيه على أنه مبتكر فذ، وصوت عالمي يدوي في بيداء الفلسفة المدرسية؛ لأن الواقع أنه كان في كل ميدان مديناً لمن سبقوه، وأن ما وهب من القدرة على الابتداع كان هو الذروة المحتومة لتطور طويل المدى. ولقد وضع ألكسندر نكهام، وبارثلميو الإنجليزي Bartholomew the Englishman، وربرت جروستستي، وآدم مارش Adam Marsh في أكسفورد تقاليد علمية ثابتة، ورثها بيكن، وأعلنها إلى العالم؛ وكان يعترف بفضل أولئك السابقين عليه ويثني عليهم ثناءً لا حد له: وكان يعترف كذلك بما للعلوم والفلسفة الإسلامية من فضل عليه وعلى العالم المسيحي كله، وربما هو مدين به لليونان عن طريق العلماء المسلمين؛ وأشار إلى أن علماء اليونان والمسلمين "الكفرة" كانوا هم أيضاً ممن تلقوا الوحي والهداية من الله (٩٨). وكان يجل إسحق إسرائيلي، وابن جبيرول وغيرهما من المفكرين العبرانيين، ووجد في نفسه من الشجاعة ما يمكنه من أن يقول كلمة طيبة عن اليهود الذين كانوا يقيمون في فلسطين حينما صلب المسيح (٩٩). ولم يكن يأخذ العلم بنهم عن العلماء وحدهم، بل كان يأخذه أيضاً عن أي إنسان تستطيع معارفه في الصناعات اليدوية أو الأعمال الزراعية أن تزيد ما لديه من معلومات. وكتب في هذا المعنى بتواضع لا عهد لنا به:
لا ريب في أن إنساناً ما لن يستطيع، قبل أن يرى الله وجهاً لوجه، أن يعرف شيئاً مؤكداً تأكيداً نهائياً … لأنه لا يوجد إنسان ملم بجميع أحوال الطبيعة إلماماً يمكنه من أن يعرف كل شيء … عن طبيعة ذبابة واحدة وخواصها .. وإذ كانت الأشياء التي يجهلها الإنسان لا حصر لها، وكانت أعظم وأجمل إذا