قيست إلى ما يعرفه منها، فإن من يمتدح نفسه بكثرة ما يعرفه، مخبول قد اختلت موازين عقله. وكلّما زاد الناس حكمة، كانوا أكثر تواضعاً واستعداداً لتلقي العلم من غيرهم؛ وهؤلاء لا يحتقرون من يأخذون عنهم لسذاجته، ولكنهم يظهرون التواضع للفلاحين، وللعجائز من النساء والأطفال، لأن السذج وغير المتعلمين يعرفون أشياء كثيرة تخفى على الحكماء .... ولقد عرفت أنا نفسي من ناس ذوي مكانة وضيعة حقائق أكثر أهمية من التي عرفتها من جلة العلماء الذائعي الصيت. فليحذر كل إنسان إذن أن يفاخر بما أوتي من حكمة (١٠٠).
واندفع في العمل بجهد وسرعة أثرنا في صحته حتى أعتل جسمه في عام ١٢٥٦، فانسحب من الحياة الجامعية ولم نعد نعرف عنه شيئاً في العشر سنين التالية. وأكبر الظن أنه ألّف في هذه الفترة بعض كتبه الصغيرة أمثال: في العدسات المحرقة وفي قوى الاختراع والطبيعة العجيبة، وتقدير الحادثات الطبيعية. ووضع في هذا الوقت خطة ((الكتاب الرئيسي))، وهو موسوعة من عمل رجل واحد أراد أن تكون في أربعة مجلدات:(١) النحو والمنطق. (٢) الرياضة، والهيئة، والموسيقى. (٣) العلوم الطبيعية - البصريات، والجغرافية، والتنجيم، والكيمياء القديمة، والزراعة، والطب، والعلوم التجريبية. (٤) ما وراء الطبيعة والأخلاق.
وبعد أن كتب أجزاء متفرقة من هذه الموسوعة واتته فرصة خيل إليه أنها فرصة سعيدة، فحالت بينه مبين إنجاز برنامجه. ذلك أن جاي فولك Guy Foulques كبير أساقفة نربونة ارتقى عرش البابوية في شهر فبراير من عام ١٢٦٥ وتسمى باسم كلمنت الرابع، وجاء معه إلى البابوية ببعض الروح الحرة التي نشأت في جنوبي فرنسا من اختلاط الشعوب والعقائد الدينية. وكتب إلى بيكن في شهر يونية بأمره بإرسال "نسخة مبيضة" من مؤلفاته "سراً وعاجلاً"