القراء في هذه الأيام أكثر من إقبالهم على أي مؤلف آخر من مؤلفات العصور الوسطى في العلوم أو الفلسفة. وإنّا ليسهل علينا أن نفهم الاضطراب الحماسي، والإشادة البابوية، والحرص الشديد على الجهر بالتمسك بالدين القويم، والنزول بالعلم والفلسفة إلى منزلة الخدم لعلوم الدين، نقول إنّا ليسهل علينا أن نفهم وجود هذا كله في كتاب يبلغ هذا المبلغ من اتساع المدى وتعدد الموضوعات، كتب ليكون خلاصة عاجلة، ويراد به الحصول على تأييد البابا للتربية العلمية والبحث العلمي. ذلك أن روجر بيكن كان يشعر بما يشعر به فرانسس بيكن وهو أن تقدم العلوم في حاجة إلى معونة رؤساء الدين وكبار رجال الدولة، وإلى أموالهم لتبتاع بها الكتب، والآلات والسجلات، ومعامل الاختبار، والتجارب، ولأداء أجور الموظفين.
وكأنما أراد أن يستبق سميه إلى تحطيم "الأصنام" بثلاثمائة عام، فبدأ بذكر أربعة أسباب هي التي توقع الإنسان في الخطأ وهي:"الاقتداء بالمراجع الراهنة غير الجديرة بأن يقتدى بها، والعادة التي استقرت من زمن بعيد، وإحساس الجماهير الجاهلة، وتغشية الجهل بستار من التظاهر بالحكمة"(١٠٢). ويحرص على أن يضيف إلى هذا أنه "لا يشير بحال من الأحوال إلى تلك السلطة القوية الموثوق بها التي … وهبت إلى الكنيسة". (٥) وهو يأسف لتسرع أهل زمانه واعتقادهم أنه يكفي لأن تكون قضية ما في رأيهم قد ثبتت بالدليل إذا وجدت في أرسطو، ويجهر بأنه لو أوتي السلطة الكافية لأحرق جميع كتب هذه الفيلسوف، لأنها في رأيه منبع الأخطاء ومصدر الجهل (١٠٣)، ثم تراه بعد هذا لا تخلو صفحتان من كتابه دون عبارة مقتبسة من أرسطو.
ويكتب في أول الجزء الثاني يقول:"وبعد أن أقصيت أسباب الخطأ الأربعة وألقيت بها في الدرك الأسفل أحب أن أبين حكمة واحدة لا أكثر هي الحكمة الكاملة، وهي الحكمة التي يحتويها الكتب المقدس". وفي رأيه أنه