كيف تستطيع الكنيسة أن تتصل بالمسيحيين اليونان، والأرمن، والسوريين، والكلدان إلاّ عن طريق لغاتهم. وكان بيكن يعمل بجد في هذا الميدان ويعظ الناس، وكان أول العلماء في العالم المسيحي الغربي يتم وضع كتاب نحو يوناني ليستخدمه الذين يعرفون اللاتينية، وأول مسيحي يؤلف في نحو اللغة العبرية. وكان يقول إن في مقدوره أن يكتب باللغتين اليونانية والعبرية، ويبدو أنه درس أيضاً اللغة العبرية (١٠٧).
وحين يصل بيكن إلى موضوع الرياضيات تصبح كتبه مسرحاً للتحمس البليغ والنظريات الغامضة. ويقول عن الرياضيات:"واعتقادي أن العلوم الرياضية لازمة وأنها تلي في ذلك اللغات". ويكشف عن خضوعه لتأثير الدين حين يقول إن العلوم الرياضية "يجب أن تساعد على معرفة مكان الجنة والنار"، وتزيد من علمنا بجغرافية الكتاب المقدس والتواريخ الدينية، وتمكن الكنيسة من إصلاح التقويم (١٠٨)، ويقول: ولنلاحظ كيف تساعدنا "القضية الأولى في الهندسة" - وهي إنشاء مثلث متساوي الأضلاع على خط معلوم - على "أن ندرك أننا إذا سلمنا بشخص الله الأب، تبدى أمامنا الثالوث ذو الأشخاص المتساوين"(١٠٩) , ثم ينتقل من هذا المركز السامي الذي يضع فيه الرياضة فيستبق استباقاً مدهشاً علم الطبيعة الرياضية الحديث بإصراره على أن العلم لا يبلغ حد الكمال في الخصائص العلمية إلاّ إذا صاغ نتائجه كلها في صورة رياضية، وإن كان لابد له أن يجعل التجارب هي الطريقة التي يستخدمها في الوصول إلى تلك الغاية. وعنده أن جميع الظواهر غير الروحية آثر من آثار المادة والقوة، وأن جميع القوى تعمل في تناسق وانتظام، ولهذا فإنها يمكن التعبير عنها بخطوط وأشكال؛ "ومن الواجب تحقيق الأشياء بالبراهين المبينة بخطوط وأشكال"؛ وليست جميع العلوم الطبيعية في آخر الأمر إلاّ علوماً رياضية (١١٠).