ولكن إن كانت الرياضة هي النتيجة، فإن التجربة يجب أن تكون وسيلة العلم وطريقة اختبار نتائجه. ولقد أحدث بيكن ثورة علمية أداتها الرياضيات والتجارب، على حين أن الفلاسفة المدرسيين من أبلار إلى تومس أكوناس قد وضعوا كل ثقتهم في المنطق، وكادوا يضمون أرسطو إلى الثالوث المقدس، لأنهم في واقع الأمر جعلوه روحاً قدساً. فهو يقول إن أدق النتائج التي يؤدي إليها المنطق تتركنا غير واثقين من صدقها، حتى تؤيدها الخبرة، فالحرق وحده هو الذي يقنعنا بحق أن النار تحرق؛ "ومن يُرد أن يبتهج ابتهاجاً لا ريب فيه بالحقائق الكامنة وراء الظواهر الطبيعية فليهب نفسه للتجارب العلمية"(١١١). ويبدو أنه في بعض الأوقات يرى أن التجربة experimentum ليست وسيلة من وسائل البحث، بل هي الطريقة النهائية من طرق البرهان بوضع الأفكار - التي وصل إليها الإنسان بالخبرة والاستدلال - موضع الاختبار، وذلك بأن تصنع على أساسها أشياء ذات فائدة علمية (١١٢). وهو يدرك ويعلن في وضوح أكثر من فرانسس بيكن أن التجربة في العلوم الطبيعية هي البرهان الذي لا برهان غيره. ولم يكن يدّعي أن هذه الفكرة جديدة أتى بها من عنده، بل يعتقد أن أرسطو، وجالينوس، وبطليموس، والعلماء المسلمين، وأدلارد، وبطرس الاسبانيولي، وربرت جروستستي، وألبرتس مجنس وغيرهم قد قاموا بالتجارب العلمية أو امتدحوها، وكل ما فعله روجر بيكن أن جعل الضمني صريحاً، وأن ثبت راية العلم في الأرض المنتزعة من بيداء الجهل.
ولم يفد روجر بيكن العلوم نفسها، كما لم يفدها فرانسس بيكن، إلاّ في القليل الذي لا يغني، إذا استثنينا من ذلك علم البصريات وإصلاح التقويم. ذلك أن هذين الرجلين لم يكونا عالمين بل كانا من فلاسفة العلم. وقد واصل روجر عمل جروستستي وأمثاله فاستنتج أ، التقويم اليوليوسي البالغ في طول السنة الشمسية فزادها يوماً في كل ١٢٥ سنة - وهو أدق تقدير وصل إليه العالم في ذلك