أو العقل الكوني الذي "يسري إلى عقولنا وينيرها" وأقترب اقتراباً شديداً من مبدأ وحدة الوجود الذي ينادي به ابن رشد (١٢٧).
ولكنه لم يهز مشاعر معاصريه بآرائه الفلسفية بقدر ما هزها بهجومه على منافسيه وعلى مبادئ زمانه الأخلاقية. ذلك أنه في موجز الدراسات الفلسفية كاد يلهب بسوطه جميع نواحي الحياة في القرن الثالث عشر: اضطراب نظام المحاكم البابوية، وانحطاط طوائف رهبان الأديرة، وجهل رجال الدين، وثقل مواعظهم وخلوها من التشويق، وفساد أخلاق طلاب العلم، وما في الفلسفة من لغو وتلاعب بالألفاظ. وذكر في رسالة له عن أخطاء الطب "ستة وثلاثين عيباً أساسياً كبيراً" في النظريات والأعمال الطبية في عصره، وكتب في عام ١٢٧١ فقرة ربما تدعونا إلى التسامح في عيوب أيامنا هذه:
يُرتكب في عصرنا هذا من الذنوب أكثر مما يرتكب في أي عصر قبله. فالكرسي البابوي يمزقه خداع الظالمين وغدرهم … ولقد فشا الكبرياء بين الناس، وغلت مراجل الطمع في الصدور، وأنشب الحسد أنيابه في جميع النفوس؛ والبلاط البابوي كله يسربله الفجور بالعار، والنهم هو سيد الجميع … وإذا كان هذا هو شأن الرأس فماذا عسى أن تفعل سائر الأعضاء؟ فلننظر إلى كبار رجال الدين كيف يجرون وراء المال، ويهملون العناية بالأرواح، ويرفعون إلى المناصب العليا أبناء أخوتهم وأخواتهم وغيرهم من الأصدقاء وأولي الأرحام؛ والمحامين الماكرين الذين يفسدون كل شيء بنصائحهم … ولننظر إلى طوائف الرهبان من رجال الدين، لست أستثني أحداً مما أشاهده بينهم؛ انظروا في أية هاوية تردوا، وهووا من شامخ مجدهم فرادى وجماعات، وهاهم أولاء الرهبان (الإخوان) الجدد قد فسدوا فساداً مروعاً وحادوا عن تقواهم الأولى. إن رجال الدين على بكرة أبيهم لا هم لهم إلاّ التكبر، والفجور، والبخل، وحيثما يجتمع طلاب العلم …