لا تسمع منهم إلاّ اغتياب غير رجال الدين والتشهير بحروبهم ومنازعاتهم ويغرها من الرذائل. والأمراء، والأشراف، والفرسان يظلم بعضهم بعضاً، ويُشقون رعاياهم بحروبهم ومطالبهم التي لا حد لها … والشعب الذي يشقى بأمرائه، يحقد على هؤلاء الأمراء، ولا يدين لهم بولاء إلاّ إذا أرغم على ذلك قوة واقتداراً؛ وقد أفسده المثل السيئ الذي ضربه له سادته وكبراؤه، فترى أفراده يظلم بعضهم بعضاً ويخدعه ويغشه، ونحن نشهد هذا كله بأعيننا في كل مكان، وهم منهمكون في فسقهم ونهمهم، وقد بلغوا من الانحطاط حداً يعجز اللسان عن النطق به. أما التجار والصناع فحدث عنهم ولا حرج، لأن الخداع والغش هما ديدنهم في جميع أقوالهم وأفعالهم … لقد كان الفلاسفة الأقدمون، وإن أعوزتهم الكياسة المنعشة التي تجعل الناس خليقين بالخلود، يعيشون خيراً منا إلى ابعد حد مستطاع، سواء في أدبهم أو في احتقارهم هذا العالم وكل ما فيه من بهجة وغنى، وثروة، وألقاب التكريم، كما يتبين الناس جميعاً من مؤلفات أرسطو، وسنكا، وتلي Tully، وابن سينا، والفارابي، وأفلاطون، وسقراط وغيرهم؛ وبهذا وصلوا إلى أسرار الحكمة، وكشفوا عن جميع المعارف؛ أما نحن المسيحيين فلم نكشف شيئاً شبيهاً بما كشفه أولئك الفلاسفة، بل إننا لنعجز عن إدراك حكمتهم. ومنشأ جهلنا هذا هو أن أخلاقنا شر من أخلاقهم … وليس ثمة بين العقلاء من يخالجه أدنى شك في أن الواجب يقضي بتطهير الكنيسة (١٢٨).
ولم تنطبع في عقله صورة طيبة من الفلاسفة المعاصرين له، وشاهد ذلك ما كتبه عنهم إلى كلمنت الرابع يقول إن أحداً منهم لا يستطيع في عشر سنين أن يؤلف كتاباً مثل الكتاب الأكبر، فقد كانت مؤلفاتهم في نظر بيكن مجلدات ضخمة من "الكذب الذي لا يستطاع وصفه" والحشو الذي لا ضرورة له (١٢٩)؛ وكان هيكل تفكيرهم كله يقوم على الكتاب المقدس