تاريخ الشرق القديم برمته ويرتبط أوله بآخره. وكان من مميزات هذه المدينة صعوبة الوصول إليها، كما كان من عيوبها بُعدها عن سائر عواصم الإمبراطورية، فلما أراد الإسكندر أن يستولي عليها كان لابد له أن يجتاز لها طريقاً طوله ألفا ميل؛ ولكنها كان عليها أن ترسل جيوشها ألفاً وخمسمائة ميل لتخضع الثروات التي تقوم في ليديا أو مصر. ولما أنشئت الطرق العظيمة في آخر الأمر كانت كل فائدتها أن مهدت السبل لليونان والرومان الذين غزوا بجيوشهم غرب آسية، كما ساعدت غرب آسية على أن يغزو اليونان ورومة بعقائده الدينية.
وكانت الإمبراطورية مقسمة إلى ستريبات أو ولايات لتسهل بذلك إدارتها وجباية خراجها. وكان في كل ولاية نائب "لملك الملوك" قد يكون أحياناً أميراً خاضعاً لسلطانه، ولكنه في العادة "سترب"(حاكم) يعينه الملك ويبقى في منصبه ما دام حائزاً لرضا البلاط الملكي.
وأراد دارا أن يضمن خضوع الوالي لسلطانه فبعث إلى كل ولاية بقائد من قواد جيشه ليشرف على ما فيها من قوى مسلحة مستقلاً عن الوالي؛ ولكي يضمن خضوع هذا وذاك عين لكل ولاية أميناً من قبله مستقلاً عن الوالي والقائد جميعاً، مهمته أن يبلغ عن مسلكهما. وزيادة في الاحتياط كان للملك إدارة للمخابرات السرية تعرف باسم "عيون الملك وآذانه" يفاجئ موظفوها الولايات ليفحصوا عن سجلاتها وشئونها الإدارية والمالية. وكان الوالي يعزل أحياناً بلا محاكمة، وأحياناً يتخلص منه بهدوء، وذلك بأن يسمه خدمه بأمر الملك نفسه. وكان تحت إمرة الوالي والأمين حشد من الكتبة يصرفون من شئون الحكم ما ليس في حاجة مباشرة إلى القوة. وكان هؤلاء يستمرون في عملهم وإن تغيرت الإدارات، بل وإن تغير الملوك، فالملك يموت ولكن البيروقراطية الحكومية باقية مخلدة.
ولم يكن موظفو الولايات يتناولون رواتبهم من الملك، بل كانوا يتناولونها