سجيناً مضيقاً عليه. وكل ما نعرفه أن بعض المساجين الذين حكم عليهم بالسجن في عام ١٢٧٧ قد أطلق سراحهم في عام ١٢٩٢، وربما كان بيكن ممن أطلق سراحهم في ذلك الوقت أو قبله، لأنه نشر في عام ١٢٩٢ موجزاً في الدراسات اللاهوتية، ثم لا نجد بعد ذلك إلاّ كلمة في سجل قديم: دفن الدكتور روجر بيكن الجليل القدر في كنيسة جريسي فريزر Grecy Frairs ( كنيسة الرهبان الفرنسيس) بأكسفورد في عام ١٢٩٢" (١٣٤).
ولم يكن لبيكن في عصره إلاّ أثر قليل. فكل ما يذكره به ذلك العصر أنه رجل يأتي بكثير من الأعاجيب، وأنه ساحر ومشعوذ. وقد صور بهذه الصورة في مسرحية كتبها روجر جرين Roger Green بعد ثلاثمائة سنة من وفاته. وليس من السهل علينا أن نعرف مقدار ما يدين له سمه فرانسس بيكن (١٥٦١ - ١٦٢٦)؛ وكل ما نستطيع أن نقوله في هذا أن فرانسيس وروجر على السواء كليهما رفضا منطق أرسطو، والطريقة المدرسية، وارتابا في الاعتماد على المراجع القديمة، وعلى العادات وغيرها من أصنام التفكير التقليدي، وامتدحا العلوم، وذكرا ما يتوقع اختراعه بالاعتماد عليها، ورسما منهاجاً لها، وأكدا فائدتها العملية؛ وطالبا بالمعونة المالية للبحوث العلمية. وأخذت شهرة بيكن تعظم وتنتشر ببطئ من القرن السادس عشر حتى أصبحت حياته من القصص الخرافية - فقيل إنه هو مخترع البارود، والبطل الحر التفكير، الذي ظل طول حياته مضطهداً من رجال الدين، والمبتكر العظيم للتفكير الحديث. والآن أخذت الآية تنقلب، فالمؤرخون يقولون أنه لم تكن لديه إلا فكرة مهوشة عن التجارب العلمية، وإنه لم يجر من هذه التجارب إلا القليل، وإنه كان في الدين أكثر حرصاً على تقاليده من البابا نفسه، وإن صفحات كتبه تنتشر فيها الخرافات والسحر، والخطأ في الاقتباس، والتهم الكاذبة، والقصص غير الصادقة المأخوذة من التاريخ.