وهذا كله صحيح؛ وصحيح أيضاً أنه وإن لم يجر من التجارب إلا القليل، قد ساعد على دعم مبدأ التجربة العلمية، ومهد السبيل الى قيامها، وأن جهره بالتمسك بالسنن الدينية قد يكون إجراءً سياسياً من رجل يسعى للحصول على تأييد البابوية للعلوم التي كانت مثاباً للريبة. أما أخطاؤه فقد كانت عدوى زمانه، أو لعلها قد نشأت من العجلة التي تسير بها روح تحرص على أن تجعل المعارف كلها ميداناً لها. وأما امتداحه نفسه فقد كان هو البلسم الشافي لتجاهل عبقريته؛ كذلك كان هجومه على غيره تنفيساً لغرض إنسان جبار خابت آماله، فأخذ يشهد إخفاق أحلامه النبيلة تغرق في بحرٍ من الجهل وهو عاجز عن إنقاذها. وأما هجومه على النقل في الفلسفة والعلم فقد أنار السبيل لتفكيرٍ أوسع مجالاً وأكثر حريةً مما كان في زمانه؛ كذلك كان تأكيده لأسس العلم وأهدافه الرياضية تقدما بخمسمائة عام عن العصر الذي يعيش فيه؛ وخير من هذا كله أن تحذيره الناس من إخضاع الأخلاق للعلم درس لرجال الغد يجب أن يأخذوا به. وملاك القول أن الكتاب الأكبر، رغم أخطائه وآثامه، خليق باسمه، وأنه أعظم من أي مؤلف في جميع آداب ذلك القرن العجيب.