المؤلفات كلها التي صدرت في القرن الثالث عشر تمزج اللاهوت بالعلوم، والخرافات بالمشاهدات، لأنها كانت تتنفس هواء زمانها؛ ولو أننا قدر لنا أن نعرف نظرة الناس الى علمنا الجامع بعد سبعة قرون من هذه الأيام لأغضبنا ما نراه.
وأشهر موسوعات المسيحيين في العصور الوسطى موسوعة فنسنت بوفيه المسماة المرآة الكبيرة (١٢٠٠ - ١٢٦٤ أو حوالي ذلك الوقت). وقد انضم بوفيه هذا إلى جماعة الرهبان الدومنيك، وأصبح معلماً للويس التاسع وولده، وعهد إليه الإشراف على مكتبة الملك، وأخذ على عاتقه هو وجماعة من أعوانه أن يضع في صورة سهلة التناول جميع ما يحيط به من ألوان المعرفة. وقد أطلق على موسوعته أسم صورة العالم Imago Mundi، ومثل فيها العالم بمرآة ينعكس عليها الذكاء القدسي والتخطيط الإلهي، وكانت موسوعة ضخمة تعادل في حجمها أربعين مجلداً من المجلدات الكبيرة الحجم في هذه الأيام. وأتم منها فنسنت مع النساخين ثلاثة أجزاء: المرآة الطبيعية، ومرآة العقائد، ومرآة التاريخ، وأضاف إليها من خلفوه في هذا العمل، حوالي عام ١٣١٠ مرآة الأخلاق ومعظمها مأخوذ من موجز تومس أكوناس. وكان فنسنت إنساناً متواضعاً ظريفاً، قال عن نفسه "إني لا أعرف علماً واحداً"، وهو يتنصل من أنه ابتكر شيئاً ما ويقول إن كل ما أراد أن يفعله هو أن ينقل أقوال ٤٥٠ مؤلفاً يونانياً، ولاتينياً، وعربياً. وقد نقل أخطاء بلني بأمانة، وصدق كل عجائب التنجيم، وملء صحفه بالصفات السحرية للنبات والحجر، ولكن عجائب الطبيعة وروائع جمالها تبدو مع ذلك واضحة في كتابه من حينٍ إلى حين، تنفذ من خلال ما فيه من أقوال غير ذات قيمة، ويحس هو بها كما لا يستطيع أن يحس بها ملتهم الكتب فحسب: