أعترف، وأنا الإنسان المذنب، ذو العقل الملوث في الجسد، أنني تدفعني الروح السامية نحو الخالق المسيطر على هذا العالم، وأني أزداد تعظيماً له حين تقع عيني على ما في خلقه … من عظمة وجمال. ذلك بأن العقل إذا أرتفع من الأقذار التي يحبها، وسما، وهو القادر على السمو إلى نور التأمل، أبصر من شاهق علوه عظمة الكون المحتوي على أماكن لا حصر لها مليئة بطوائف المخلوقات المختلفة الأنواع (١٣٥).
ويضارع النشاط العلمي الذي انبثق في القرن الثالث عشر عظمة فلسفاته المختلفة، وآدابه المتنوعة الباهرة، من الشعراء الغزلين الى دانتي. لقد كان علم تلك الأيام، كما كانت موجزاته العظيمة والمسلاة الإلهية، يعاني الشيء الكثير من إسراف أصحابه في الوثوق به، ومن عجزهم عن بحث فروضه، ومن خلط المعارف بالدين بلا تفريق بينهما. ولكن سفينة العلم الصغيرة التي كانت تسبح في بحرٍ من المزاعم الخفية خطت خطوات واسعة في عصر الإيمان نفسه. فقد بدأ أدلارد وجروستستي، وألبرت، وآرنلد الفلانوفي، ووليم السليستوي، وهنري المندفيلي، ولانفراتشي وروجر بيكن، وبطرس الحاج وبطرس الأسباني، بدأ هؤلاء كلهم مشاهدات وملاحظات جديدة، وتجارب صغيرة أخذت تحطم ما كان لأرسطو، وبلني، وجالينوس من سلطان على العقول. وملأ التحمس للارتياد والمغامرة أشرعة سفينة الرواد، قد عبر عن ذلك الإخلاص العلمي الجديد ألكسندر نكهام في بداية ذلك القرن العجيب فكتب يقول " إن العلم لا ينال إلا بثمنٍ باهض، هو اليقظة الدائمة، وإنفاق الوقت الطويل، وبالجد والكدح المتواصلين، وباستخدام العقل بحماسة وقوة"(١٣٦).
ولكن مزاج العصور الوسطى يتحدث إلينا قبيل نهاية كتاب ألكسندر أحسن أحاديثه، ويتحدث إلينا برقة لا تتناسب مع عصره فيقول: