لأنه رأى ببصيرته أن هذه مغامرة لا يرجى لها فلاح، ويقول إنه حين سأله هذا الملك الورع:"أيّهما تفضّل - أن تصاب بالجذام أو أن ترتكب خطيئة موبقة؟ ".
"فأجبته وأنا الذي لم يكذب عليه قط بأنه خير لي أن أرتكب ثلاثين خطيئة موبقة من أن أصاب بالجذام. ولمّا خرج الرهبان من حضرته استدعاني وحدي وأجلسني عند قدميه وقال لي: كيف تجرؤ على هذا القول؟ … فأجبته بأني قلته مرة أخرى بعد ذلك الوقت؛ فردّ عليّ بقوله: لقد تسرّعت وكنت أحمق في ردّك، فإن من واجبك أن تعرف أنه ليس ثمة جذام أبشع من ارتكاب الخطيئة الموبقة … وسألني: هل غسلت أقدام الفقراء يوم خميس الصعود؟ فأجبته: يا مولاي، لو فعلت لأصبت بالغثيان، إني لن أغسل قط أقدام أولئك الأدنياء. فقال لي الملك: الحق أنك قد أخطأت إذ نطقت بهذا القول، لأن عليك ألاّ تحتقر ما فعله الله ليعلمنا، ولهذا فإني أرجوك بحق حبّك الله أوّلاً وحبّك إياي ثانياً أن تعوّد نفسك غسل أقدام الفقراء"(٢).
ولم تكن حياة القديسين كلها تروى بمثل هذا الصدق وتلك الأمانة، ذلك أن الإحساس بالتزام الأمانة ومراعاة الضمير في رواية التاريخ كانا من الضعف في عقول الناس في العصور الوسطى بحيث يخيّل إلينا معهما أن كتّاب هذه القصص الأخلاقية كانوا يظنّون أن لا ضرر مطلقاً في اعتقاد الناس أن ما يروونه صحيح كله، وأن الخير كل الخير في أن يصدقوه. وأكبر الظن أن المؤلفين كانوا في معظم الأوقات يأخذون القصص المنتشرة عن غيرهم، وأنهم كانوا يصدّقون ما يكتبون. وإذا أخذنا تراجم القديسين على أنها قصص لا أكثر وجدناها مليئة بالطرائف والمتع. فلينظر القارئ مثلاً إلى الطريقة التي حصل بها القديس كرستفر Christopher على اسمه. لقد كان في أول حياته رجلاً جباراً من أهل كنعان يبلغ طوله