"لا تخافي فإني سأساعدك باسم عيسى المسيح". وخرج التنين من الماء في هذه اللحظة ورسم جورج علامة الصليب، ونادى باسم المسيح، وهجم على التنين، وطعنه بحربته، وأمر الفتاة أن تلقى بمنطقتها حول عنق التنين الجريح، ففعلت ما أمرها به؛ وخضع التنين لسحر جمالها الفتّان كما يخضع له كل شهم من الرجال، وسار خلفها مطيعاً ذليلاً طوال حياتها. وجمع ياقوبو ده فوراجين Jacopo de Voragine كبير أساقفة جنوى هاتين القصتين وأمثالهما في كتاب ذائع الصيت نشر حوالي ١٢٩٠؛ فكان يروى لكل يوم من أيام السنة قصة قديسها المخصص هذا اليوم له، وسمّى كتابه قراءات عن القديسين Legenda sanctorum. وصارت مجموعة قصص ياقوبو من الكتب المحببة للقرّاء في العصور الوسطى، وأطلقوا عليها اسم القراءات الذهبية. وأشارت الكنيسة بوجوب الاحتياط في تصديق بعض هذه القصص (٤)، ولكن الناس أحبّوها وصدّقوها كلها، ولعلهم لم يكونوا في هذا أكثر انخداعاً في الحياة عن السذّج من الناس الذين يصدّقون القصص الخرافية هذه الأيام.
وكان الشعر أحسن ما كتب باللغة اللاتينية في العصور الوسطى، ولم يكن الكثير منه شعراً إلاّ بالاسم فحسب، لأن جميع المواد التلقينية على اختلاف أنواعها - من تاريخ، وقصص، ورياضة، ومنطق، ودين، وطب ـ كانت تكتب في أبيات موزونة مقفاة، ليسهل بذلك استظهارها. وكتبت أيضاً ملاحم تافهة عظيمة الطول مثل ملحمة الكسندريس Alexandreis (١١٧٦) التي نظمها ولتر الشاتيوني Walter of Chatillon؛ وتبدو لنا هذه الملاحم الآن مملة بقدر ما تبدو قصيدة الفردوس المفقود Paradise Lost. وكتب أيضاً جدل شعري ـ بين الجسم والنفس، والموت والإنسان، والرحمة والصدق، والفلاّح والقس، والمرأة والرجل، والنبيذ والماء، والنبيذ والجعة، والورد والبنفسج، والطالب الفقير والقس