يناديها بقوله:"أيها السيد الرفيق، لقد كنا زميلين أياماً وليالي طوالاً، لم تسيء إلي فيها ولم أسيء إليك، فإذا مت فالحياة من بعدك كلها آلام". ويتوسل إليه كبير الأساقفة وهو يحتضر أن ينجو بالهرب، ويأبى رولان، ويواصل الحرب حتى يفرّ المهاجمون، ولكنه هو أيضاً يصاب بجرح مميت. ويستجمع آخر ما فيه من قوة ويحطم فوق صخرة من الصخور سيفه دورندال Durendal المطعّم بالجواهر حتى لا يقع في أيدي الكفار. و"رقد الكونت رولان تحت شجرة صنوبر ووجهه متجه نحو أسبانيا … وطافت به وقتئذ ذكريات كثيرة، ففكر في البلاد التي فتحها، وفي فرنسا الحلوة، وفي أسرته، وفي شارل الذي رباه، وبكى". ورفع قفازه إلى السماء دليلاً على خضوعه لله، ووفائه. ويقبل شارل ويجده قد مات. تلك هي خلاصة القصة مترجمة ولكن الترجمة أياً كانت لا تستطيع محاكاة أصلها السهل الجذل، وما من أحد غير من نشأ على حب فرنسا وتكريمها يستطيع أن يحس بالقوة والعاطفة اللتين تفيض بهما هذه الملحمة التي يحفظها كل طفل فرنسي ويتلوها في كل صلواته.
ووهب شاعر مجهول حوالي عام ١١٦٠ أسبانيا ملحمة قوية يمجد فيها أخلاق راي Ruy أو ردريجو دياز (المتوفى سنة ١٠٩٩)، وهي المعروفة بملحمة السيد Poema de Cid. وموضوعها هي الأخرى القتال بين الفرسان المسيحيين والمسلمين في الأندلس، وتمجيد بطولة سادة الإقطاع، وشرفهم، وعظمتهم، وتفضيل أمجاد الحرب عن ذلة الحب. وينفي رولان ملك جاحد بفضله، فيودع زوجته وأبناءه في أحد الأديرة ويقسم ألاّ يعيش بينهم بعدئذ حتى ينتصر في خمس معارك، ويخر لقتال المسلمين. ويردد النصف الأول من القصيد ذكر انتصارات هومرية. وينهب السيد في خلال الفترات الواقعة بين المعارك أموال اليهود، ويوزع الصدقات على الفقراء، ويقدم الطعام بيده إلى مجذوم، ويأكل معه في صفحة واحدة، وينام معه في فراش واحد، ويتبين أنه ألعازر Lazarus الذي