به من عند الله فيوافقان على هذا العمل الذي لم يكن أحد يظن أنهما سيوافقان عليه، وتكشف الفتاة عن صدرها الجميل للنصل. ولكن هنريخ تدب فيه نخوة الرجولة على حين غفلة، فيأمر بألاّ تقتل الفتاة، ويرفض هذه التضحية، ويمتنع عن العويل، ويرتضي آلامه معتقداً أنها من عند الله، وتتبدل روحه بفضل هذه النزعة الجديدة، فيزول مرضه الجثماني زوالاً سريعاً، ويتزوج الفتاة التي أنقذته ويعوض هارتمان القصة عما فيها من سخف وبعد عن المعقول بشعره البسيط السلس الخالي من التكلف، وقد احتفظت ألمانيا بهذه القصيدة حتى هذا العصر القليل الإيمان.
وثمة قصة أجمل منها كتبها شاعر فرنسي غير معروف في وقت ما في النصف الأول من القرن الثالث عشر وسماها هذان هما أوكسيان ونيقولت c'EST D'Aucassin et Nicolette. والقصة نصفها رواية غرامية، ونصفها سخرية من الروايات الغرامية، صيغت كما يليق بها أن تصاغ تارةً شعراً وتارةً نثراً، ووضعت لها علامات موسيقية بين النصوص الشعرية.
وخلاصتها أن أوكسان ابن الكونت بوكير Beaucaire يغرم بنيقولت متبناة فيكونت بوكير. ويعارض الكونت في زواجه بها لأنه يريد أن يزوج ابنه من أحد البيوت الإقطاعية التي تستطيع أن تمده بالعون في الحرب، ويأمر تابعه الفيكونت أن يخفي الفتاة. ويريد أوكسان أن يراها فيشير عليه الفيكونت أن "يدع نيقولت وشأنها وإلاّ فلن يرى الجنة قط". ويرد عليه أوكسان رداً يتفق مع نزعة التشكك التي أخذت تظهر في الوقت:
ما شأني أنا والجنة؟ إني لا يهمني قط أن أدخلها، وكل الذي يهمني أن أحظى بنيقولت … ذلك أن الجنة لا يدخلها إلاّ القساوسة الطاعنون في السن، والشيوخ المقعدون، والمرضى الذين لا يبارحهم السعال ليلاً أو نهاراً أمام مذابح الكنائس … أما أنا فلا شأن لي بهؤلاء، بل إني أريد أن يكون مأواي الجحيم، لأن الجحيم مثوى العلماء الظرفاء، والفرسان الأنجاد الذين يقتلون في ألعاب