وتقول له إنه يستطيع في ذلك الوقت أن يطيق النظر إلى بهائها كاملاً. وتبتسم له، ويقسم أن هذا حادث لا يمحى من ذاكرته. وتسأله:"لم يأسرك جمال وجهي؟ " وتأمره أن ينظر بدلاً منه إلى المسيح ومريم والرسل. ويحاول هو أن يتبينهم، ولكنه لا يبصر إلاّ "كتائب من البهاء، تسقط عليها من فوقها بورق ترسلها أشعة محرقة"، وتصل إلى أذنيه في تلك اللحظة موسيقى الكتائب السماوية.
ويصعد المسيح ومريم، ولكن الرسل يبقون خلفهما، وتطلب بياتريس إليهم أن يتحدثوا إلى دانتي، فيسأله بطرس عن دينه، وتسرّه أجوبته، ويوافقه على أن الكرسي الرسولي سيظل شاغراً أو مدنساً مادام بنيفاس بابا (٥٨). إن بنيفاس لا يجد في قلب دانتي ذرة من الرحمة.
ويختفي الرسل في الطباق العليا، ويصعد دانتي أخيراً مع "التي أسكنت روحي الجنة" إلى السماء التاسعة، أعلى السموات جميعا". وليس في هذه السماء نجوم، بل كل ما فيها نور صاف، وفيها الله الروح الخالص، المجرد من الجسد، والذي لا علة له، والأصل الثابت لجميع الأرواح، والأجساد، والأسباب، والنور، والحياة. ويحاول الشاعر وقتئذ أن يستمتع بنور النعيم الباهر، ولكنه لا يرى إلاّ نقطة من الضوء تدور حولها تسع دوائر من الذكاء الخالص - ملائكة الطبقة الأولى، وأرواح سماوية، وعروش، وأملاك، وفضائل، وسلطات، وإمارات، وملائكة كبار، وملائكة غير كبار. وعن طريق هؤلاء - وهم عمال الله ومبعوثوه - يحكم الخالق جلا جلاله العالم. ولا يستطيع دانتي أن يرى الجوهر الإلهي، ولكنه يرى كل كتائب السماء تؤلف من نفسها وردة وضّاءة، هي أعجوبة من النور البراق وألوان المختلفة تتمدد ورقة بعد ورقة حتى تصبح زهرة ضخمة.
وحينئذ تترك بياتريس حبيبها، وتحتل مكانها في الوردة. ويراها تجلس