للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على عرشها، ويظل يرجوها أن تساعده، فتبتسم له، وتحدق في ذلك الوقت بعينيها في مركز جميع الأضواء؛ ولكنها ترسل القديس برنار ليساعده ويواسيه. ويوجه برنار نظر دانتي نحو ملكة السماء؛ ويتجه الشاعر نحوها ولكنه لا يرى إلاّ بريقاً وهاجاً يحيط به آلاف من الملائكة مسربلين بالنور. ويقول له برنار إنه إذا شاء أن يكون له من القوة ما يستطيع به أن يشهد الرؤى السماوية واضحة، فإن عليه أن ينضم إليه في الصلاة لأم الإله. وتبدأ الأغنية الأخيرة بتضرع برنار بنغمه الحلو:

"أيتها العذراء، يا ابنة ابنك، يا من أنت أعظم تواضعاً ورفعة من كل الخلائق". ويتوسل إليها برنار أن تمن على دانتي بأن يقدر على رؤية ذات الجلال القدسي؛ فتنحني بياتريس وينحني كثير من القديسين نحو مريك ويرفعون أيديهم مقبوضة يتوسلون إليها بالدعوات. وتلقي مريم نظرة قصيرة رحيمة على دانتي، ثم تحول عينيها نحو "النور السرمدي". والآن، كما يقول الشاعر: "تصفو نظراتي، فيدخل فيها شيئاً فشيئاً ذلك النور الأعلى وهو الحق". ويقول إن كل ما رآه بعدئذ تعجز اللغة عن وصفه، ويعجز الخيال عن تصوره؛ ولكن "في هذه الهوة من البهاء المتألق، الصافية الشامخة، خيل إلى أني أرى كرة ذات ثلاثة ألوان مجتمعة في لون واحد". وتختتم الملحمة الفخمة ونظرات دانتي لا تزال مثبتة على النور المتألق، يجذبها ويدفعها "حب الله الذي يحرك الشمس وجميع النوم".

وجملة القول أن الملهاة المقدسة أعجب القصائد كلها وأصعبها. فليس ثمة قصيدة غيرها تضن بكنوزها إلاّ على من يبذلون في سبيلها جهوداً جبارة؛ ولغتها أكثر اللغات إيجازاً وإحكاماً بعد لغة هوراس وتاستس، فهي تجمع في كلمة أو بضع كلمات معاني وأفكاراً دقيقة يتطلب فهمها كاملة معلومات سابقة غزيرة، وعقلاً مستيقظاً، وذكاءً؛ وحتى بحوثها المملة في علوم الدين، والنفس، والفلك،