وريمس، ونتردام سعة وعمقاً في التوافق الروحي، وثروة وتنوعاً في الزخرف، يملآن النفس غبطة أكثر مما تملؤها عظمة البناء الحديث، ولا تفتر معهما متعة الإنسان على مر السنين. وإن من واجب الإنسان أن يغفر الشيء الكثير لذلك العصر الذي أحب بملء قلبه رموز دينه، وأعمال يديه - من أبواب، وأبراج ومنارات مستدقة، وقباب من حجارة تناطح السماء، وتماثيل ومذابح للقربان وواجها، ومقابر عني بنحتها أعظم عناية، وشبابيك تنافس بألوانها قوس قزح، وتتقي أشعة الشمس قبل أن تنقذ فيها. ومن أجل الكتدرائيات نشأت الموسيقى المتعددة النغمات، ووضعت العلامات الموسيقية والسلم الموسيقي؛ ومن الكنيسة نشأ في فن التمثيل الحديث.
ولا يقل تراث العصور الوسطى في الأدب عن تراث الرومان وإن لم يبلغ في علو قدره ما بلغه الأدب اليوناني. ففي وسعنا أن نضع دانتي في مرتبة فرجيل، وبترارك إلى جانب هوراس، وشعراء العرب والفروسية الغزلين إلى جانب أوفد، وتيبلس، وبروبرتيوس؛ وإن روايات آرثر الغرامية لأشد عمقاً وأكثر نبلاً من كل ما حواه كتابا التناسخ أو الهرويدات، ولا يقل عنهما ظرفاً وجمالاً؛ وإن الترانيم الكبرى التي كانت تنشد في العصور الوسطى لأرقى من أجمل الأغاني الشعرية الرومانية. ولا يقل القرن الثالث عشر رقياً من عصر أغسطس أوليو العاشر؛ وقلّما شهد قرن من القرون ما شهده ذلك القرن من ازدهار فني أو ذهني كامل متعدد الألوان؛ وقد اتسع فيه نطاق التجارة اتساعاً لا يقل عمّا وصل إليه في أواخر القرن الخامس عشر؛ وكانت هذه التجارة سبباُ في اتساع رقعة العالم المعروف وازدياد ثروته ويقظته. وكان في القرن الثالث عشر بابوات أقوياء من طراز إنوسنت الثالث وبنيفاس الثامن، رفعوا مقام الكنيسة مدى قرن كامل إلى أعلى درجات النظام والقانون في جميع البلاد الأوربية. ولم يكن