وكان من شأن بولونيا أن تسره، فقد كانت مدينة جامعية، مليئة بمرح الطلاب ومجونهم، يغمرها جو التعليم، وتحمس التفكير الحر المستقل. وفي هذه المدينة كانت تدرس في هذا القرن الرابع عشر أولى مناهج التشريح الآدمي، وكانت فيها استاذات من النساء بلغت بعضهن - مثل نوفيلادندريا Novella d'Andrea ( المتوفاة عام ١٣٦٦) - من الجاذبية حدا جعل الرواة يصفونها - وصفا خياليا بلا شك - بأنها كانت تحاضر من تحت قناع لئلا يشغل الطلاب بجمالها عن عملها. وكانت بلدية بولونيا من أوليات البلديات التي ألقت عن كاهلها نير الإمبراطورية الرومانية المقدسة وأعلنت استقلالها بشئونها. وكانت منذ ذلك العهد البعيد وهو ١١٥٣ قد اختارت محافظها وظلت قرنين كاملين محافظة على حكومتها الديمقراطية، ولكنها منيت في عام ١٣٢٥، وبترارك مقيم فيها، بهزيمة ساحقة على يد مودينا Modena لم يسعها إلا أن تضع نفسها تحت حماية البابوية، فلما حل عام ١٣٢٧ ارتضت أن يكون قس معين من قبل البابا حاكما لها، ونسجت حول هذه الفترة من تاريخها كثير من القصص المريرة.
وكان بترارك يحب الروح السائدة في بولونيا، ولكنه كان يبغض حرفية القانون:" وكان مما يتعارض مع ميويى ويؤلمني أن أحصل فنا لا أربد ان امارسه ممارسة غير شريفة، ولا أستطيع أن أمارسه بغير هذه الطريقة "(٢). وكل ما كان يعنى به في الرسائل القانونية هو " ما كان فيها من إشارات يخطئها الحصر للعصر الروماني القديم ". ولهذا فإنه بدلا من أن يدرس القانون قرأ كل ما استطاع أن يجده من كتابات فرجيل، وشيشرون، وسنكا. وفتح هؤلاء أمامه عالما جديداً في الفلسفة والفن الادبي، وشرع يفكر كما يفكرون، ويتوق إلى أن بكتب كما يكتبون، ولما توفى أبواه (١٣٢٦) هجر دراسة القانون، وعاد إلى أفنيون وألقى بنفسه في غمار الشعر القديم وآداب الغرام.