بالمنطق، والناس يهلكون إذا خلت عقائدهم من بعض الأساطير. ومن أجل هذا ظلت عبادة مثرا وأنيتا- إله الشمس وإلهة الإنبات والخصب والتوالد والأنوثة- ظلت هذه العبادة قائمة إلى جانب دين أهورا- مزدا الرسمي تجد لها أتباعاً مخلصين، وعاد إسماهما إلى الظهور من جديد في النقوش الملكية أيام أرت خشتر الثاني، وأخذ اسم مثرا بعدئذ يعظم ويقوى، كما أخذ أهورا- مزدا يضمحل. وما أن وافت القرون الأولى من التاريخ الميلادي حتى انتشرت عبادة مثرا الإله الشاب ذو الوجه الوسيم- الذي تعلو وجهه هالة من نور ترمز إلى الوحدة القديمة بينه وبين الشمس- في جميع أنحاء الدولة الرومانية، وكان انتشارها هذا من أسباب الاحتفال بعيد الميلاد عند المسيحيين (١). ولو أن زردشت كان من المخلدين لتوارى خجلاً حين يرى تماثيل أنيتا أفرديتي الفرس، تقام في كثير من مدن الإمبراطورية الفارسية بعد بضعة قرون من وفاته (٩١). وما من شك في أنه كان يسوئه أن يجد صحفاً كثيرة من صحف وحيه قد خصها المجوس بطلاسم لشفاء المرضى والتنبؤ بالغيب والسحر (٩٢) وذلك أن "الرجال العقلاء" أي كهنة المجوس قد غلبوا زردشت على أمره، كما يغلب الكهنة في آخر الأمر كل عاتٍ عاصياً كان أو زنديقاً، وذلك بأن يضموه إلى دينهم أو يستوعبوه فيه؛ فسلكوا أولاً في عداد المجوس، ثم لم يلبثوا أن نسوا ذكره (٩٣). وما لبث هؤلاء المجوس بزهدهم وتقشفهم، واقتصارهم على زوجة واحدة، ومراعاتهم لمئات من الطقوس المقدسة، ومن تطهرهم بمئات الأساليب اتباعا لأوامر الدين وطقوسه، وبامتناعهم عن أكل اللحوم، وبملبسهم البسيط الذي لا تكلف ولا تظاهر فيه، ما لبث هؤلاء أن اشتهروا بالحكمة بين الشعوب الأجنبية،
(١) كان عيد الميلاد في بداية الأمر عيداً شمسياً يحتفل به وقت الانقلاب الشتائي (حوالي ٢ ديسمبر) ببداية طول النهر وبانتصار الشمس على أعدائها، وأصبح فيما بعد عيد لمثرا، ثم صار من الأيام المقدسة عند المسيحيين.