للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنهم اليونان أنفسهم، كما أصبح لهم على مواطنيهم سلطان لا تكاد تعرف له حدود. لقد أصبح ملوك الفرس أنفسهم من تلاميذهم، لا يقدمون على أمر ذي بال إلا بعد استشارتهم فيه، فقد كانت الطبقات العليا منهم حكماء، والسفلي متنبئين وسحرة، ينظرون في النجوم ويفسرون الأحلام (٩٤)؛ وهل ثمة شاهد على كعبهم اكبر من أن اللفظ الإنكليزي المقابل لكلمة "السحر" Magic مشتق من اسمهم. وأخذت العناصر الزردشتية في الديانة الفارسية تتضاءل عاماً بعد عام؛ نعم إنها انتعشت وقتاً ما أيام الأسرة الساسانية (٢٢٦ - ٦٥١ ب. م)، ولكن الفتح الإسلامي وغزو التتار قضيا عليها القضاء الأخير. ولا يوجد أثر للديانة الزردشتية في هذه الأيام إلا بين عشائر قليلة العدد في ولاية فارس، وبين البارسيين من الهنود الذين يبلغ عددهم تسعين ألفاً.

ولا تزال هذه الجماعة حفيظة على كتبها المقدسة، تخلص لها وتدرسها، وتعبد النار والتراب، والأرض والماء، وتقدسها، وتعرض موتاها في "أبراج الصمت" للطيور الجارحة كي لا تدنس العناصر المقدسة بدفنها في الأرض أو حرقها في الهواء. وهم قوم ذوو أخلاق سامية وآداب رفيعة، وهم شاهد حي على فضل الدين الزردشتي وما له من أثر عظيم في تهذيب بني الإنسان وتمدينهم.