وبين هذه الفوضى والفاقة كانت الآثار المحطمة لعصر قديم مجيد تغذى رؤى العلماء وأحلام الوطنيين. فكان الرومان يعتقدون أن ستعود روما في يوم من الأيام حاضرة العالم الروحية والسياسية، وأن البرابرة المقيمين وراء الألب سيرسلون إليها الجزية والزكاة. وكان لا يزال في وسع الرجال يقيمون في مناطق متفرقة من المدينة أن يجدوا لديهم فضلة من المال يناصرون بها الفن: فقد زين بيتروكفليني Pietro Cavallini كنيسة القديسة تشيتشيليا مدرسة رومانية لرسوم المظلمات تكاد تضارع في أهميتها مدرسة دتشيو Doccio في سينيا أو مدرسة جيتو Giotto في فلورنس. بل إن روما في شدة بؤسها وفقرها لم تخل من الشعراء الذين أنساهم ماضيها المجيد حاضرها البئيس. فبعد أن عادت بدوا Padua وبراتو Prato سنة دومتيان التي كانت تقضى بوضع إكليل على جبهة شاعر محبوب، رأى مجلس الشيوخ أن مما يتفق مع مكانة روما التقليدية بوصفها أولى المدائن الإيطالية أن تتوج الرجل الذي أجمعت الآراء على أنه حامل لواء الشعراء في أمته وعصره.
وتنفيذاً لهذا العزم سار موكب بهيج من الشباب والشيوخ في اليوم الثامن من إبريل عام ١٣٤١ يرافق بترارك وقد ارتدى المئزر الأرجواني الذي خلعه عليه الملك ربرت حتى وصل إلى سلم الكبتول. وهناك وضع تاج من الغار على رأسه. وقام الشيخ استفانو كولنا الطاعن في السن بإلقاء خطبة أثنى فيها عليه جماً. ومن ذلك اليوم كسب بترارك شهرة جديدة وأعداء جدداً، فأخذ منافسوه ينتفون تاجه بأقلامهم، ولكن الملوك والبابوات رحبوا به في بلاطهم، وسرعان ما وضعه بوكاتشيو في مصاف " الأقدمين النابهين "، وأعلنت إيطاليا وهي مزهوة بما بلغه من الصيت أن فرجيل قد ولد مرة أخرى.