ترى أي رجل كان بترارك في ذلك الوقت الذي بلغ فيه ذروة مجده؟ لقد كان في شبابه بهي الطلعة وسيما، يختال بجمال منظره وثيابه، وكان حين كبر يسخر من حرصه الشديد على العناية بمظهره وملابسه وعقص شعره، وضغط قدميه في حذاءين جميلي المنظر. ولما بلغ سن الكهولة سمن وأطال الشعر على ذقنه، ولكن وجهه ظل محتفظاً بسحر رقته وحيويته. وبقى مزهواً بنفسه إلى آخر أيامه، وكان كل ما حدث في هذه الناحية من تغيير أنه أخذ يزهو بجلائل أعماله بدل الازدهاء بمنظره، لكن هذا عيب لا يسلم منه إلا أعاظم القديسين. ولولا ما يظهر في رسائله من تواضع متكلف وافتخار شريف لتضاعف ما فيها من فتنة وبهاء. وكان كسائر الناس يحب الثناء، وتتوق نفسه للشهرة، "وللخلود " الأدبي، وبذلك كان في مستهل عصر النهضة الضارب على وترها الحساس وهو التعطش إلى المجد. وكان يغار من منافسيه، ونزل من عليائه ليرد على ما يصفونه به من عيوب، وقد أثار البعض على ما بلغه دانتي من مكانة (وإن كان قد أنكر ذلك)، وارتاع من شراسة دانتي، كما ارتاع إرزمس فيما بعد من فجاجة لوثر، ولكنه كان يحس أن في عناد شاعر فلورنس وجرأته شيئاً أعمق مما يستطيع القلم الهين أن يسبر غوره. وكان وهو في ذلك الوقت نصف فرنسي في نزعته أكثر تحضراً من أن يسب نصف العالم، وكانت تنقصه العاطفة المتأججة التي رفعت سمت بإيطاليا ثم أنهكت قواها.
وإذ كان قد وهب بعض المناصب الكهنوتية، فقد كان له من الرخاء ما يحمله على ازدراء الثروة، ومن الضعف ما يبعث فيه حب الحياة الأدبية. ويقول في هذا:
"ليس ثمة عبء أخف على النفس أو أحب إليها من حمل القلم. فأما غير ذلك من المتع فإنا نعجز عن نيله، أو أنه يجرحنا في الوقت الذي يسحر فيه لبناً، وأما القلم فنمسك به مغتبطين، ونلقيه راضين، ذلك أن فيه من