للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نشأ من خصب السكان الآسيويين وقذارتهم وما انتابهم من الفقر بسبب الحرب، والضعف بسبب المجاعة، فأمتد الوباء من بلاد العرب إلى مصر، ومن البحر الأسود إلى روسيا وبلاد بيزنطية، ثم نقله تجار البندقية، وسرقوسة، وبيزا، وجنوي، ومرسيليا وسفنها من القسطنطينية والإسكندرية وغيرهما من ثغور الشرق الأدنى بمساعدة البراغيث والفئران إلى إيطاليا وفرنسا. وأكبر الظن أن سني القحط المتعاقبة التي حلت بأوربا الغربية -١٣٣٣ - ١٣٣٤، ١٣٣٧، ١٣٤٢، ١٣٤٥ - ١٣٤٧ - قد أوهنت ما كان للفقراء من قوة المقاومة، ثم نقل الوباء إلى سائر الطبقات (٣٩). وأنتشر الوباء في صورتين: طاعون رئوي مصحوب بحمى عالية، وبصاق دموي ويؤدي إلى الموت في خلال ثلاثة ايام من بدء الإصابة، ودملي مصحوب بحمى وخراجات وجمرات ويؤدي إلى الموت في خلال خمسة أيام. وقضى الطاعون في هجماته المتعاقبة على نصف سكان إيطاليا بين عامي ١٣٤٨ و ١٣٦٥ (٤٠) وكتب مؤرخ إخباري حوالي عام ٣٥٤ يصفه فقال: لم يكن يصحب الجثث إلى قبورها أحد من أهل المتوفى أو أصدقائه القساوسة أو الرهبان، ولم تطن تتلى عليها صلاة الجنازة … وحفرت في كثير من أنحاء المدينة خنادق ألقيت فيها الجثث، وغطيت بطبقة رقيقة من التراب، وتلتها طبقة بعد طبقة حتى امتلأ الخندق ثم بدئ بحفر خندق جديد. وقد دَفَنْتُ أنا أنيولو دي تورا Agnolo di Tura … بيدي خمسة من أبنائي في خندق واحد، وفعل هذا بعينه كثيرون غيري. وكانت الطبقة التي غطيت بها جثث بعض الموتى رقيقة إلى حد جعل الكلاب تخرجها وتنهشها، وتنشر أعضاءها في جميع أنحاء المدينة. ولم تدق أجراس، ولم يبك الموتى مهما فدح الخطب لأن كل أنسان تقريباً كان يترقب الموت … وكان الناس يقولون إن "هذه هي آخر العالم " يؤمنون بما يقولون (٤١).