ويقول ماثيو فلاني إن ثلاثة من كل خمسة من سكان فلورنس ماتوا بين شهري إبريل وسبتمبر من عام ١٣٤٨، وقدر بوكاتشيو عدد من مات من أهل فلورنس بستة وتسعين ألفا (٤٣)، وتلك بلا ريب مغالاة واضحة لأن سكان المدينة لا يكادون يزيدون وقتئذ على مائة الف. ويبدأ بوكاتشيو كتاب ديكمرون بوصف مروع للطاعون يقول فيه:
ولم يكن الاتصال بالمرضى أو التحدث إليهم وحدهما ينقلان العدوى إلى الأصحاء، بل يبدو أن مجرد لمس ثياب أولئك المرضى أو أي شئ آخر مسوه أو استعملوه كان يكفي لنقل المرض … وكان أي شئ مما يملكه الموتى أو المصابون بهذا الوباء إذا أمسه حيوان, … مات بعد وقت قليل … وتلك أمور شاهدتها بعيني رأسي. وقذفت هذه المحنة الرعب في قلوب الناس جميعاً … فتخلى الأخ عن أخيه، والعم عن أبن أخيه .. وكثيراً من هذا وما لا يكاد يصدقه العقل، وهو أن بعض الآباء والأمهات رفضوا أن يزوروا أبناءهم أنفسهم أو يعنوا بهم كأنهم ليسوا منهم … وأفترس المرض في كل يوم آلافاً من عامة الشعب لأنهم لم يجدوا من يرعاهم أو يعمل لإنقاذهم، وماتوا وهم لا يكادون يجدون ملجأ أو معونة. ولفظ الكثيرون منهم آخر أنفاسهم في الطرقات، ومات كثيرون غيرهم في بيوتهم ولم يعرف جيرانهم خبر موتهم إلا من رائحة أجسامهم المتعفنة لا من أية وسيلة أخرى، وامتلأت المدينة بهؤلاء وأولئك وغيرهم من الأموات. وأخرج الجيران جثث الموتى من منازل اصحابها ووضعوها أمام أبوابها مدفوعين إلى ذلك بخوفهم أن يتعرضوا هم للخطر بسبب تعفن هذه الجثث لا بأي شعور بالرحمة نحو هؤلاء الأموات، ولهذا كان المارة وبخاصة في الصباح يرون من الجثث ما يخطئه الحصر. وكانوا حينئذ يجيئون بالتوابيت فإذا أعوزتهم جاءوا بألواح من الخشب وحملوا عليها. ولم يكن الأمر مقصوراً على أن يحمل التابوت الواحد جثتين أو ثلاث